للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمالا، ومنه كذلك القيود التي كبّل بها الشعراء أنفسهم، مثل التزامهم بعدد من الأبيات، أو ابتداء أبيات قصائدهم بحرف القافية، فيزيدون قصائدهم ثقلا على ثقل، مثل قول الفازازي:

سلام كعرف الرّوض أخضله النّدى ... على خير مخلوق من الجنّ والإنس

سليل خليل الله خاتم رسله ... وفي الختم منع للزيادة في الطّرس

سبوق بلا أين قريب بلا مدى ... عليم بلا خطّ حفيظ بلا درس

سلوني كيف الحال دون لقائه ... فحزني في طرد وصبري في عكس «١»

ولننظر كيف قرّب لنا معنى اختتام النبوة، حين أورد لنا صورة الكتاب الذي يمهر بالختم، فلا يستطيع أحد الزيادة عليه بعد ذلك، وكيف ألجأته الصنعة إلى وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنه سبوق لا يتعب، وعليم دون أن يعرف الخط، وحفيظ دون أن يدرس ويستظهر، أما وصف شوقه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو جاف لا يناسب الحديث عن المشاعر الحارة، فما هو الحزن المطرد، والصبر المنعكس؟

ووصلت الصنعة بشعراء المدح النبوي إلى نظم الألغاز ببعض الأسماء التي ترد فيها، فالشاعر النواجي كتب إلى الشاعر المنصوري، وكلاهما نظما المدح النبوي، ملغزا باسم مدينة النبي (طيبة) ، فقال:

«ما اسم على أربعة وهو مفرد، علم وكم فيه من إشارة تعهد.. حوى أفضل الخلق والخلق، وأفصح القول والنطق، فأفصح عن غيبه، ولذ بطيبه» «٢» .

وكان من نتائج الإغراق في الصنعة البديعية عند شعراء المدح النبوي ظهور لون


(١) المجموعة النبهانية ٢/ ٢٦٤.
(٢) النواجي: التحفة البهية ص ٢٠٨.

<<  <   >  >>