ويتضح هذا الأمر من دوافع صاحب أول بديعية (صفي الدين الحلي) ، الذي كان يعد العدة لتأليف كتاب جامع شامل في فنون البديع، لكن المرض أقعده عن إتمام مقصده، فعدل عن تأليف الكتاب، ونظم قصيدة، مدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وضمّنها أنواع البديع التي أراد تقييدها في كتابه، وقال عن ذلك:
«فعرضت لي علّة طالت مدتها، وامتدت شدتها، واتفق لي أن رأيت في المنام رسالة من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يتقاضاني المدح، ويعدني البرء من السقام، فعدلت عن تأليف الكتاب إلى نظم قصيدة تجمع أشتات البديع، وتتطرز بمدح مجده الرفيع»«١» .
فالحلي أراد أن يؤلف كتابا في البديع، وعزم على نظم قصيدة يمدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالتقت في نفسه الرغبتان، وألّف بينهما بنظم قصيدة يمدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وينظم فيها أنواع البديع التي هيأها لكتابه المنشود، فكانت البديعية.
وحين بحث الحلي عن شكل لقصيدته، كان أوّل ما تبادر إلى ذهنه أشهر مدحة نبوية آنذاك، وهي بردة البوصيري، فعارضها، أو أن قصة تأليفه لبديعيته المشابهة لقصة نظم البوصيري لقصيدته، هي التي أوحت إليه بأن يجعل قصيدته المنشودة على غرار بردة البوصيري أو برأته، التي شفي إثر نظمها من المرض، عسى أن يشفى هو أيضا من مرضه، فكانت بديعيته معارضة لقصيدة البوصيري، حملت وزنها وقوافيها وموضوعها وبعض عباراتها، وأضاف إليها فنون البديع، فكان الشكل الذي عرفت عليه البديعيات، إذ إن كل الذين جاؤوا بعده، ونظموا البديعيات، لم يخرجوا إلا نادرا عن هذا الشكل. فمعظم البديعيات مدح نبوي، ومعظمها على البحر البسيط وقافية الميم المكسورة، قافية البردة ووزنها.