للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمضي القصيدة على هذا النحو، ظاهرها مدح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وباطنها عناية بالبديع، وإيراد لشواهده، فكأن الشاعر يريد نشر فضائل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيرته ومعجزاته، ونشر فن البديع بين الناس سواء بسواء.

وتابع الشعراء الحلي في صنيعه هذا، ولم يخرجوا عن الصورة التي وضعه بها، ومنهم ابن جابر الأندلسي الذي نظم بديعية سمّاها (الحلة السيرا في مدح خير الورى) ، قال في مقدمتها: «فأنشأت في مدحه صلّى الله عليه وسلّم قصيدة وشيّت بألقاب البديع بردها، وتوخيت فيها من موارد الثناء، ما يجد المؤمن على قلبه بردها» «١» وبدأها بقوله:

بطيبة انزل ويمّم سيّد الأمم ... وانشر له المدح وانثر أطيب الكلم

وابذل دموعك واعدل كلّ مصطبر ... والحق بمن سار والحظ ما على العلم

سنا نبيّ أبيّ أن يضيّعنا ... سليل مجد سليم العرض محترم

جميل خلق على حقّ جزيل ندى ... هدى وفاض ندى كفّيه كالدّيم «٢»

وهذه الأبيات شواهد على براعة الاستهلال والجناس بأنواعه.

ثم أتى عز الدين الموصلي «٣» ، فتابع صاحبيه، ونظم بديعية مماثلة لبديعيتيهما، لكنه زاد عليهم ذكر اسم النوع البديعي الذي يدرجه في البيت، فزاد الأمر تعقيدا على تعقيد، واقترب بالبديعيات أكثر نحو المنظومات التعليمية الصرفة، فقال فيها:

براعتي تستهلّ الدّمع في العلم ... عبارة عن نداء المفرد العلم

ملفّق ظاهر سرّي وشان دمي ... لمّا جرى من عيوني إذ وشى ندمي

يذيّل الدّمع جار جارح بأذى ... كلاحق ماحق الآثار في الأكم «٤»


(١) ابن جابر: الحلة السيرا ص ٢٧.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٨.
(٣) عز الدين الموصلي: علي بن الحسين بن علي، أديب شاعر، أقام في حلب وانتقل إلى دمشق، وفيها توفي سنة (٧٨٩ هـ) . الدرر الكامنة: ٣/ ١١٢.
(٤) ابن حجة: خزانة الأدب ص ١٢ وما بعدها.

<<  <   >  >>