للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظل الشعراء بعد العصر المملوكي ينظمون هذا اللون من المدح النبوي.

وبذلك يتضح لنا أن الهدف الأول من البديعيات هو نشر فنون البديع، وأنهم جعلوا المدح النبوي حاملا لبديعهم، ولم يجدوا وسيلة أكثر انتشارا لتعميم فنون البديع من المدح النبوي.

وقد اتسمت البديعيات بالتصنع والتكلف، لأن الشاعر يبذل جهدا عظيما في الملاءمة بين معاني المدح النبوي وبين إيراد النوع البديعي وسبك شاهده، وهذا جهد عقلي محض يذهب بالشاعرية والرواء الشعري. ويدخل الشاعر في المعاظلة والضرورات الشعرية، ويحيل القصيدة إلى معان جامدة، تفتقد حرارة العاطفة، وإن وجدت التعابير الجامدة التي تشير إلى وجود عاطفة مشبوبة عند الناظم.

وإلى جانب ذلك تحجرت البديعيات على شكل معين، يندر أن يخرج عليه أصحابها، وهو الشكل الذي جاءت عليه أول بديعية، وهي بديعية صفي الدين الحلي، التي عارض بها بردة البوصيري، فأصبح المدح النبوي أحد لوازم البديعيات الذي لا تحيد عنه، وأصبح البحر البسيط وزن البديعيات الموحد، وأضحت قافية الميم المكسورة هي القافية التي لا يدعها أصحاب البديعيات، فماذا بقي للمتأخر ليضيفه إلى المتقدم؟

ولذلك ظهرت منذ البداية نظرات نقدية للبديعيات من أصحابها أنفسهم، فابن حجة الحموي، صاحب إحدى البديعيات، والذي شرح بديعيته بكتابه الكبير (خزانة الأدب) ، وقارنها بالبديعيات التي سبقته، أكثر من انتقاد من سبقوه إلى نظم البديعيات، وأخذ عليهم ماخذ عدة، فحين تطرق إلى أبيات البديعيات التي تنظم أنواع الجناس، عقّب على بيتي الجناس في بديعية ابن جابر بقوله:

«ولكن لم يخف ما في البيتين من الثقل مع خفة الالتزام» «١» .


(١) ابن حجة: خزانة الأدب ص ٢٦.

<<  <   >  >>