للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن كثيرا من البديعيات أتت على هذا النحو من التكلف والتصنع، ومع ذلك نجد أصحابها يشيدون بها ويدلّون على أهل الأدب بإبداعها، وهم لم يزيدوا الأدب شيئا، ولا أضافوا إلى البديع مفيدا، ولكنه التصنع الذي أدار رؤوس القوم، فظنوا الإغراق فيه الإبداع الذي ما بعده إبداع، وهذا ما جعل بعض أصحاب البديعيات يتبرمون بكثير مما نظم في هذا الباب، فقال ابن حجة عن بديعية ابن جابر:

«البديعية غالبها سافل على هذا النمط» «١» .

ولم يسلم ابن حجة نفسه من الانتقاد، فألّفت الكتب التي ترد عليه انتقاده للآخرين، وتظهر عيوب بديعيته وخطل ما يذهب إليه في شرحها، ومن ذلك كتاب (إقامة الحجة على ابن حجة) ، تعقّب صاحبه فيه ابن حجة في بديعيته وشرحها، فقال عن شواهد ابن حجة على الاطراد: «وكلها والله من سقط المتاع، الذي لا يباع والله أعلم» «٢» .

وأظهر صاحب الكتاب كيف جارت الصنعة البديعية على المعنى في بديعية ابن حجة، حين قال عن بيت ابن حجة:

إبداع أخلاقه إيداع خالقه ... في زخرف الشّعرا فاسمع بها وهم

«معنى هذا البيت مختل اختلالا ظاهرا، لأنه أراد بقوله في زخرف الشعراء، السورتين الكريمتين، فليس لإضافة الزخرف إلى الشعراء معنى بوجه من الوجوه، ولا مجاورة بينهما في الترتيب التوفيقي، وإن أراد به كلام الشعراء وقولهم، فالأمر أعظم خطرا، وإنني لأعجب أشد العجب من أمرين: أحدهما، سكوت أهل الأدب عند إيراد


(١) ابن حجة: خزانة الأدب ص ٣٩٩.
(٢) ابن شهاب الحضرمي: إقامة الحجة ص ٢٩.

<<  <   >  >>