هذا البيت عمّا فيه من الخلل، والثاني، أن الناظم لم يلبث مع اختلال بيته أن ادعى له الجمع بين اثني عشر نوعا من البديع، مع أن الأمر بخلاف ما ادعاه» «١» .
صحيح أن الناقد بالغ وقسا، وحمّل الكلام أكثر مما يحتمل، إلا أن هذا يدل على أن الأدباء كانوا لا يرتاحون تماما إلى هذا اللون من النظم، وأن الإشادة به كانت نابعة من موضوعه السامي، وهو المدح النبوي، ومن اشتماله على فنون البديع التي فتنت أدباء ذلك العصر وأهله، وأن المزاوجة بين المدح النبوي والبديع لم تكن ناجحة، ولم تضف جديدا إلى أدب ذلك العصر وبديعه، وإن أرضت الذوق العام السائد في تلك الأيام.
فالبديعيات يمكن أن تعد مرحلة وسطى بين الشعر والنظم، هي شعر لأنها تحوي موضوعا شعريا هو المدح النبوي، ولأنه تتخللها بعض مظاهر الشعر من فن كلامي وعاطفة وخيال، وهي نظم علمي، لأنها ذكر لفنون البديع، وإيراد الشواهد عليها، وقلما نجح شاعر في إقامة هذا التوازن، وتحقيق المعادلة الصحيحة بين المدح النبوي والبديع، وغالبا ما كان الجانب البديعي يطغى على الجانب الشعري في البديعيات، وقد يكون هذا عائدا إلى أن معظم الذين شاركوا في نظم البديعيات كانوا من العلماء، وحتى الشعراء الذين نظموا البديعيات، والذين أحسنوا نظم المدح النبوي، كانت شاعريتهم تضمحل حين ينظمون البديعيات، ويبدو أنهم فهموا البديعيات على أنها منظومات تعليمية، طعمت بموضوع سام، ولذلك لا مجال لإظهار الشاعرية فيها، وأن المهم فيها أن يكمل الناظم في بديعيته أصناف البديع، وأن يمثّل لها وأن يلائم بين ذلك وبين التعبير عن معاني المدح النبوي.
فالبديعيات كانت نهاية ازدياد استخدام البديع في المدح النبوي.