فهي تختلف عن قصائد المدح النبوي التي لا تزال تنظم إلى أيامنا هذه، فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي يختلف عن باقي البشر، يختلف الشعر الذي يقال فيه بعد وفاته عن الشعر الذي يقال في بقية الناس، وخاصة عند ما يتيّقن المسلمون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موصول الحياة، فيخاطبونه مخاطبة الأحياء.
لقد مدح الشعراء المسلمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدحا تقليديا في جلّه، يترسم طرائق الجاهليين، لأن التقاليد الفنية الجاهلية لا تزال راسخة في نفوسهم، بيد أن المعاني الإسلامية أخذت تزداد في مدحهم له شيئا فشيئا، فأرسوا قواعد فن المدح النبوي.
وفي العصر الراشدي والأموي تابع الشعراء ما بدأه الشعراء الصحابة، ولكن سرعان ما اختفى المدح النبوي أو كاد، ليقتصر ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بعض الأبيات في قصائد مدح آل البيت، وقصائد الفخر، أو عند المقارنة، ولولا شعر الكميت لكاد أن يكون هذا العصر انقطاعا لما كان عليه المدح النبوي في زمن البعثة النبوية.
واتسع هذا الذكر شيئا ما في بداية العصر العباسي، وتسابق الشعراء إلى نسب ممدوحيهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وجه من الوجوه، وما لبثت أن ظهرت قصائد المدح النبوي، التي عارض أصحابها قصائد مدح بها النبي الأمين في حياته، ثم نظم الشعراء مدائح نبوية خالصة، تنظر إلى كل ما تقدم، بيد أنها مما سمحت به قرائح الشعراء وظروفهم.
وعرف العصر العباس مراحل مختلفة من مراحل تطور المدح النبوي، وظهر فيه كثير من مفردات المدائح النبوية ولوازمها.
حتى إذا وصلنا إلى العصر الفاطمي والزنكي والأيوبي، وجدنا فن المدح النبوي ينتشر في بقاع البلاد العربية الإسلامية، ليرسخ ويتعمم فنا مستقلا قائما بذاته من فنون الشعر العربي في العصر المملوكي.