للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم ينقطع الجن عن إخبار العرب عن أحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد بعثته، ولم يقف عند دعوتهم إلى الإيمان به، بل ظل يعلمهم بأحواله أولا بأول، إلى أن توفاه الله تعالى، فإذا الهواتف تنعي إليهم الرسول الكريم، كما حدّث أبو ذؤيب «١» ، فقال: «بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليل، فاستشعرت حزنا، وبتّ بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي طولها، حتى إذا قرب السحر أغفيت، فهتف بي هاتف، وهو يقول:

خطب أجلّ أناخ بالإسلام ... بين النّخيل ومعقد الآطام

قبض النّبيّ محمّد فعيوننا ... تذري الدّموع عليه بالتّسجام» «٢»

وهكذا حام الشك قديما وحديثا حول كثير من شعر زمن البعثة، ومن الشعر المتعلق بالنبي الكريم وهذا ما يجعل الباحث حذرا في التعامل مع هذا الشعر، حتى لا يخرج بنتائج مبنية على شواهد مشكوك بنسبتها إلى أصحابها وعصرها، فلا ينكر الشعر جملة، ولا يأخذه على عواهنه، وله فيما وثقه الرواة، واطمأنت إليه نفسه مادة جيدة دالة، تعصمه من أن يضل في هذا الكم الشعري الكبير الذي حملته كتب السيرة والتاريخ.

فقصيدة من أشهر قصائد المديح النبوي وأوثقها، هي بردة كعب بن زهير، داخلها التزيد فلاحظ محقق شرحها (الزبدة) أن الشارح كان يشك في بعض أبيات البردة، و «أن شكه هذا جعله يهمل جزآ في ختام القصيدة المذكورة، وهو سبعة أبيات أضافها الشراح المتأخرون رغبة في التبرك والإكثار من الصلاة والسلام على الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم» «٣» .


(١) أبو ذؤيب الهذلي: خويلد بن حرّث، شاعر فحل مخضرم، شارك في الغزو والفتوح، وعاش إلى أيام عثمان، مات بمصر نحو (٢٧ هـ) . بعد عودته من فتح أفريقيا، وفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجى، وشهد دفنه، له ديوان شعر الأصفهاني: الأغاني ٦/ ٢٦٤.
(٢) العباسي: معاهد التنصيص ٢/ ١٦٥.
(٣) الغزي: الزبدة في شرح البردة ص ٤.

<<  <   >  >>