للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والملاحظ على الشعر الذي مدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غلبة القيم التقليدية عليه، وقد يكون ذلك راجعا إلى أن الشعراء لم يفقهوا الدين الجديد، ولم تدخل في روعهم مفاهيمه، لذلك لم يظهر في شعرهم التأثر القوي به، وكانت النّبوة جديدة عليهم، لا يعرفون كيف يخاطبون صاحبها، فكان مديحهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مديحا تقليديا، وبالقيم الاجتماعية التي كانت سائدة في عصرهم، والتي يتمتع بها السيد في قومه، مثل الإشادة بالكرم في قول أحدهم:

حباها رسول الله إذ نزلت به ... فأمكنها من نائل غير مفقد

فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة ... وقد أنجحت حاجاتها من محمّد «١»

فهذا الشاعر وأمثاله كانوا يمدحون النبي الكريم بالقيم التي كانت موضع فخر في الجاهلية، وكأنهم يمدحون ملكا أو سيدا، وليس نبيا مرسلا.

فمدّاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، كانوا في مديحهم يتبعون تقاليدهم الفنية الجاهلية، فظلوا يعبرون، بالطريقة التي ألفوها، والتي نتجت عن طبيعة مجتمعهم، وتكوينهم الفكري والخلقي والفني، ولذلك نجد أثر الدين ضئيلا، لكنه أخذ بالازدياد مع تقدم الوقت، فإذا بالشعراء يمدحون النبي الأمين بمعان دينية إسلامية إلى جانب القيم الاجتماعية التقليدية، ولم يكتفوا بذكر اسمه أو صفته فقط، مثل قول أبي عزّة الجمحي «٢» :

ألا أبلغا عنّي النّبيّ محمّدا ... بأنّك حقّ والمليك حميد

وأنت امرء تدعو إلى الرّشد والتّقى ... عليك من الله الكريم شهيد


(١) المرزباني: من الضائع من معجم الشعراء ١١٣.
(٢) أبو عزة الجمحي: كان شاعرا مملقا ذا عيال، أسر يوم بدر مشركا فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأطلقه على ألا يهاجم المسلمين بشعره، ثم أسر يوم أحد، فقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ابن سلام: طبقات الشعراء ص ٢٥٣.

<<  <   >  >>