للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يذكر هؤلاء الشعراء ما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكانة سامية لا تدانيها مكانة، وكان لا بد من أن يظهر تأثرهم بالإسلام، وأن تجري المعاني الدينية في شعرهم الموجه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ومن هؤلاء الشعراء كعب بن زهير، الذي أخذ عن أبيه أشهر شعراء الجاهلية فن الشعر، وكان قد قاله قبل البعثة، وبرع فيه، حتى إذا بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تردّد في تصديقه، ثم جاءه معتذرا مادحا، فقال فيه:

أنبئت أنّ رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول

إنّ الرّسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف الله مسلول «١»

أما حسان بن ثابت، فهو شاعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نذر نفسه للدفاع عن الإسلام وعن النبي الأمين بشعره وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشجعه على ذلك. وشعره في الرسول المصطفى حافل بالمعاني الدينية، فهو قريب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي خضم الدعوة وتطوراتها، فكان لا بد أن يتأثر بالإسلام في شعره على الرغم من أنه قضى شطرا كبيرا من عمره في الجاهلية، وكان شاعرا مشهورا فيها، فإذا ما مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنح في شعره نحو التقاليد الشعرية الثابتة في نفسه، والمترسبة في وعيه، انسياقا وراء ما جرت عليه العادة في المدح من ناحية، وليلائم بين ما كان يهاجم به المسلمون من شعر وبين ردّه عليه فلم يكن يغيظ المشركين ما يتمتع به الرسول الكريم من مكانه دينية- وهم ينكرونها- ولكن يوثر فيهم أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أكمل ما يكون عليه السيد في قومه من خلق وعمل، ولذلك ظل مدحه للرسول صلّى الله عليه وسلّم على هيئته الأولى، لكنه حفل بالمعاني الدينية وخاصة حين نعلم أن وراء مدحه للرسول صلّى الله عليه وسلّم دافعا دينيا جعله يضفي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم صفات تسمو به عن مستوى سائر الناس، ولم تكن غايته من المديح إلا إرضاء شعوره الديني، والتعبير عن إعجابه بشخص النبي العظيم صلّى الله عليه وسلّم لذلك نجد في شعره كثيرا من


(١) ديوان كعب بن زهير ص ٩.

<<  <   >  >>