للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الأفكار التي اعتقد بها المتصوفة وروّجوها، والتي شغلت المسلمين بفرقهم كافة، ظهرت إلى النور في وقت متأخر، بعد أن كثرت الفرق الدينية، وتلقحت أفكارها بأفكار غريبة عن الفكر العربي الإسلامي.

فالمعاني الدينية في مدح النبي الأمين اقتضتها صفة الممدوح، ومن غير المعقول أن يظل ما مدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالصا للمعاني التقليدية، وألا تشوبه القيم الدينية، وقد ظهر من الأمثلة السابقة أن تأثر الشعراء بالإسلام، وخاصة في مدح النبي الكريم، كان كبيرا جدا، وليس كما صوّره الباحثون وحتى الشعراء الذين هاجموا المسلمين أثناء الصراع بين المسلمين والمشركين، وأسلموا بعد فتح مكة، ومدحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكفيرا عما فرط منهم، واعتذارا عما سبقت إليه ألسنتهم، ظهر في شعرهم التأثر بالإسلام لأن المدة كانت كافية ليعرف المسلمون وغيرهم الكثير عن الإسلام ونبيّه الكريم ومن ذلك قول عبد الله بن الزبعرى «١» :

يا رسول المليك إنّ لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور

آمن اللّحم والعظام لربّي ... ثمّ قلبي الشّهيد أنت النّذير

إنّ ما جئتنا به حقّ صدق ... ساطع نوره مضيء منير

أذهب الله ضلّة الجهل عنّا ... وأتانا الرّخاء والميسور «٢»

وهذا الأمر يظهر لدى الشعراء الذين اشتهروا في الجاهلية، وتكاملت عندهم التقاليد الفنية، وعرفوا القيم التي يمدحون بها أسياد قومهم، فإنهم مدحوا الرسول الكريم، وأشادوا بخصاله وفعاله على طريقتهم المعروفة، لكن ذلك لم يمنعهم من أن يكون مدحهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم متميزا عن مدح غيره وخاصة في النبوة فكان لا بد من أن


(١) عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي، شاعر قريش في الجاهلية، كان شديدا على المسلمين إلى أن فتحت مكة، فهرب ثم عاد فأسلم واعتذر ومدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، الأصفهاني: الأغاني ١٥/ ١٧٩.
(٢) شعر ابن الزبعرى ص ٣٦.

<<  <   >  >>