للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الظواهر التي برزت في هذا العصر، تنامي حركة التصوف وتشعبها، وتطرف بعض المتصوفة، الذين أضافوا إلى حركة التصوف الإسلامية ما أخذوه عن الفلسفات الأجنبية المتباينة والأديان المختلفة. وقد تفاعلت حركة التصوف مع المذاهب الدينية الإسلامية، فأخذت عنها وأعطتها، وصاغت لنفسها طريقة للعبادة ونظريات دينية مختلفة حول الكون وعلاقته مع الخالق، وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نصيب من نظريات المتصوفة الذين قالوا بالحقيقة المحمدية التي أضحت لازمة في قصائد المديح النبوي، وتحدثوا عن النبي الكريم حديثا لم يكن المسلمون قد تداولوه من قبل، أغرقوا فيه بالغيبيات ورفعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوق مراتب الخلق جميعا، وجعلوه مبدأ الوجود كله، والسابق إلى الوجود، وفي ذلك يقول الحلاج «١» : «أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر، وأقدم من القدم، سوى نور صاحب الكرم، همّته سبقت الهمم، وجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم، لأنه كان قبل الأمم» «٢» .

وقد أغنت حركة التصوف المديح النبوي، وحلّقت بمدّاح النبي الأمين في عوالم غيبية بعيدة، وخاصة في المرحلة الثانية التي اتسع فيها التصوف، ليصل تأثيره إلى معظم المثقفين وليصبح من نسيج ثقافة كل متعلم، ويخالط معتقد عامة الناس.

وكثر في العصر العباسي التمثل بأحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشعر، وخاصة عند الشعراء الذين يطلبون المثل ويلّحون عليه في شعرهم، فإنهم لم يجدوا في كل منحى من مناحي الحياة أعظم من شخصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك ضربوا به المثل حين أرادوا تقرير


(١) الحلاج: الحسين بن منصور الحلاج، فيلسوف زاهد، عدّ من الملحدين، فارسي الأصل، دخل بغداد وتجول في البلاد يدعوا إلى طريقته سرا، يظهر التشيع للملوك والتصوف للعامة، قال بمذهب الحلول، وعند ما اكتشف أمره قتل، له عدة كتب منها: (الطواسين) و (قرآن القرآن والفرقان) اختلف في عقيدته الباحثون، توفي سنة (٣٠٩ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٢/ ٢٥٣.
(٢) الحلاج: كتاب الطواسين ص ١١.

<<  <   >  >>