للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللبن عجب وقال: من أين لكم هذا والشّاة عازبة «١» ولا حلوبة فى البيت؟! قالت: لا والله، إلّا أنّه مرّ بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت! قال: والله إنّى لأراه صاحب قريش الّذى يطلب «٢» .

صفيه لى يا أمّ معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، منبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه ثجلة «٣» ، ولم تزر به صعلة «٤» ، وسيم قسيم، فى عينيه دعج «٥» ، وفى أشفاره «٦» وطف «٧» ، وفى صوته صحل «٨» ، أحور، أكحل، أزجّ، أقرن «٩» . شديد سواد الشّعر، فى عنقه سطع «١٠» ، وفى لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلّم سما وعلاه البهاء، وكأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، أجهر النّاس، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة، لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود «١١» محشود «١٢» ، لا عابث ولا مفند «١٣» . قال: هذا والله صاحب قريش الّذى ذكر لنا من أمره ما


(١) عازب: حيال بعيدة المأوى، والحيال هى التى لم تلد.
(٢) يطلب: الذى يجد فى طلبه.
(٣) ثجلة: أى ضخم بطن.
(٤) صعلة: هى صغر الرأس.
(٥) الدعج: شدة سواد العين. وقيل شدة سواد العين فى شدة بياضها.
(٦) أشفاره: الأشفار، هى حروف العين التى ينبت عليها الشعر (الهدب) .
(٧) وطف: فى شعر أجفانه طول.
(٨) صحل: الصحل بالتحريك كالبحة وألا يكون حاد الصوت.
(٩) القرن بالتحريك التقاء الحاجبين. والصحيح فى صفته صلّى الله عليه وسلم أن حواجبه سوابغ فى غير قرن، أى فى غير التقاء الحاجبين، بخلاف ما قالته أم معبد.
(١٠) أى ارتفاع وطول.
(١١) محفود: الذى يخدمه أصحابه ويعظمونه، ويسرعون فى طاعته.
(١٢) أى يجتمع أصحابه إليه.
(١٣) مفند: الفند فى الأصل الكذب، وأفند تكلم بالكذب، وقد قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بمخرف من الكلام.

<<  <   >  >>