للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل للحارثيّ: لم لا تؤاكل الناس؟ فقال: لو لم أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقر فانقلع ضرسه وهو لا يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت «١» عيناه وسكر وسدر «٢» وتربّد «٣» وجهه وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر والباقلّى «٤» ؛ ولم يفجأني قطّ وأنا آكل تمرا إلا استفّه «٥» سفّا وزدا «٦» به زودا، ولا وجده كنيزا «٧» إلا وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها «٨» كدما، ونهشها طولا وعرضا، ورفعا وخفضا، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنوان قطّ، ولا نزع قمعا «٩» ، ولا نفى عنه قشرا، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.

وقال بعض الشعراء: [وافر]

تبيت تدهده القرّان حولي ... كأنّك عند رأسي عقربان «١٠»

فلو أطعمتني حملا سمينا ... شكرتك والطعام له مكان

وقال بعض الأعراب: [طويل]

وإنّ طعاما ضمّ كفّي وكفّها ... لعمرك عندي في الحياة مبارك

<<  <  ج: ص:  >  >>