وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجل قد تغذّى مع قوم ولم ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى.
يريد: كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا إلى الصحيح.
قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أيّ ابن زانية يأكل من هذا رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغدّيت اليوم؟
فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغدّيت لغدّيتك بطعام طيّب. وإن قال لا، قال:
لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليل ولا كثير.
وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجل من أهل خراسان: لم تأكل وحدك؟ قال: ليس عليّ في هذا الموضع سؤال؛ إنما السؤال على من أكل مع الجماعة، لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ.
وكنّا عند داود بن أبي داود بواسط أيام ولايته كسكر «١» ، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها زقاق دو شاب «٢» ، فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا: إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاء وهو عدوّه، فأما الأخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإنه لو أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات «٣» الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ واقعا عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلا ثم باح بسرّه وقال: وضعته «٤» أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت: أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال: هذا لم يخطر