الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا بامرأة قاعدة على قارعة الطريق، وإذا رجل رأسه في حجرها كلّما سقط رأسه أسندته، فسلّمت فردّت ولم يردّ الشاب؛ ثم تأمّلتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجر لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان الله! وما أحبّ الأجر إليّ وإن رزئت فيه!. فقالت: هذا ابني، وكان إلفا لابنة عمّ له تربّيا جميعا، ثم حجبت عنه، فكان يأتي الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أو يزوّجها؛ ونحن نرى عيبا أن تزوّج المرأة من رجل كان بها مغرما، وقد خطبها ابن عمّ لها وقد زوّجت منذ ثلاث، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل عليّ وقال:[وافر]
ألا ما للحبيبة لا تعود ... أبخل بالحبية أم صدود «١»
مرضت فعادني قومي جميعا ... فما لك لم تري فيمن يعود
فقدت حبيبتي فبليت وجدا ... وفقد الإلف يا سكني شديد
وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من بني عمّي عديد
فلو كنت السّقيمة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد «٢»
قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت والله نفسه ثلاثا! فدخلني أمر لا يعلمه إلّا الله، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي قالت: هوّن عليك! مات بأجله واستراح ممّا كان فيه، وقدم على ربّ كريم؛ فهل لك في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنهاه إليهم وتسألهم حضورهم؛ فركبت فأتيت أبياتا منها على