قدر ميل، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع «١» . فبينما أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجرّ رداءها ناشرة شعرها، فقالت: أيّها الناعي، بفيك الكثكث «٢» ، بفيك الحجر! من تنعى؟ قلت: فلان بن فلان.
فقالت: بالذي أرسل محمدا واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم؛ قالت: فماذا الذي قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو الله ما تنهنهت «٣» أن قالت: [وافر]
عداني أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلّهم واش حسود «٤»
أشاعوا ما سمعت من الدّواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد «٥»
وأمّا (٥) إذ ثويت اليوم لحدا ... فدور الناس كلّهم لحود
فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العبيد «٦»
ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسّلناه وكفّنّاه وصلّينا عليه، فأكبّت على قبره؛ وخرجت لطيّتي «٧» حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت إليه الكتاب؛ فسألني عن أمور الناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئا؟ قلت: نعم، رأيت والله عجبا، وحدّثته الحديث؛ فاستوى جالسا، ثم قال: لله أنت يا محمد بن قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتّى تمرّ بأهل الفتى وبني عمّه، وتمرّ بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمّها ما