للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيروز ومضى في غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصافّ الفريقان للقتال فأرسل اخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفيّهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له اخشنوار قد ظننت أنه لم يدعك إلى غزونا إلّا الأنف مما أصابك.

ولعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت التمست منّا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا وعن حريمنا، ولقد كنت جديرا أن تكون، من سوء مكافأتنا بمنّنا عليك وعلى من معك من نقض العهد والميثاق الذي وكّدت على نفسك، أعظم أنفا وأشدّ امتعاضا مما نالك منّا، فإنّا أطلقناكم وأنتم أسرى ومننّا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكه وحقنّا دماءكم وبنا قدرة على سفكها، وإنّا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكّر في ذلك وميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما أشدّ عارا وأقبح سماعا، إن طلب رجل أمرا فلم يتح له وسلك سبيلا فلم يظفر فيها ببغيته واستمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمنّ عليهم وأطلقهم على شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطرّ لمكروه القضاء واستحيا من النّكث والغدر أن يقال امرؤ نكث العهد وختر «١» الميثاق. مع أني قد ظننت أنه يزيدك نجاحا ما تثق به من كثرة جنودك وما ترى من حسن عدّتهم وطاعتهم لك، وما أجدني أشكّ أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى ما يسخط الله، فهم في حربنا غير مستبصرين ونيّاتهم في مناصحتك اليوم مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفا بأنه. إن ظفر فمع عار وإن قتل

<<  <  ج: ص:  >  >>