للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإلى النار، فأنا أذكّرك الله الذي جعلته على نفسك كفيلا ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومع ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتك فينا وإنما تلتمس منا أمرا نلتمس منك مثله وتناويء عدوّا لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر بالله الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتك عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فوالله. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منها ولا زائد لك عليها، ولا يحرمنّك منفعتها مخرجها مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلة من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد حجّة واستظهارا، وأزداد به من الله للنصر والمعونة استيجابا ولا أؤثر على العافية والسلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا، فأبى فيروز إلا تعلّقا بحجّته في الحجر الذي جعله حدّا بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيد ولا يقتاده التهدّد والترهيب، ولو كنت أرى ما أطلبك غدرا مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاء منيّ على نفسي فلا يغرّنّك منّا الحال التي صادفتنا عليها في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف. قال اخشنوار: لا يغرّنّك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإنّ الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر وإعلان آخر، إذا ما كان ينبغي لأحد أن يغترّ بأمان ولا يثق بعهد، وإذا لما قبل الناس شيئا مما يعطونه من ذلك، ولكنّه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه:

<<  <  ج: ص:  >  >>