لقد كان اخشنوار حسن المحاورة. وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعها ولا صهل ولا أحدث شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال اخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما علمتم وعليه السلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنا ظهره ولا التفت يمينا ولا شمالا، ولقد تورّكت أنا مرارا وتمطيت على فرسي وتلفّت إلى من خلفي ومددت بصري أمامي وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني أخرج اخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم فيروز، فرفعها على رمح لينظر إليها أهل عسكر فيروز فيعرفون غدره وبغيه ويخرجون من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما لبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا وقتل منهم خلق كثير وهلك فيروز، فقال اخشنوار: لقد صدق الذي قال: لا رادّ لما قدّر، ولا أشدّ إحالة لمنافع الرأي من الهوى واللّجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطّن نفسه على قبولها والصبر على مكروهها، ولا أسرع عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من إفراط الفخر والأنفة.
وقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب «١» بن يزيد بن نعيم الخارجي بالموصل بعث إليه الحجّاج قائدا فقتله ثم قائدا فقتله كذلك حتى أتى على