ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرّ ولكنه الذي يعرف خير الشّرين، وليس الواصل الذي يصل من يصله ولكنه الذي يصل من قطعه. وقال زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألّا يقع فيه. قال معاوية لعمرو: ما بلغ من دهائك يا عمرو؟ قال عمرو: لم أدخل في أمر قطّ فكرهته إلا خرجت منه. قال معاوية: لكنّي لم أدخل في أمر قطّ فأردت الخروج منه. وقرأت في كتاب للهند: الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم ينظر به وتلقّاه بحيلته ورأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنّ حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا. وقال أعرابيّ: لو صوّر العقل لأظلمت معه الشّمس، ولو صوّر الحمق لأضاء معه اللّيل. قال بعض الحكماء: ما عبد الله بشيء أحبّ إليه من العقل وما عصي الله بشيء أحبّ إليه من السّتر. أبو روق عن الضحّاك في قول الله عز وجل: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
«١» قال: من كان عاقلا. ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال: كان أفضل من أن يخدع وأعقل من أن يخدع.
حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال إياس: لست بخبّ والخبّ لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع أبي ويخدع الحسن. قال غيره: وكان كثيرا ما ينشد: [متقارب]
أبى لي البلاء وأنّي امرؤ ... إذا ما تثبّتّ لم أرتب
وفي كتاب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السّكر ويزيد الأحمق سكرا، كما أن النهار يزيد كلّ ذي بصر بصرا ويزيد الخفافيش سوء بصر.