للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيراجعه، وإنّ الثور مما يتذكر مرجه الذي يمن فيه فينتابه، وإنّ البعير مما يتذكر وطنه الذي نتج فيه فينزع إليه، وإنّ هؤلاء القوم لا يذكرون أنّي جاءهم الخير وهم أهل الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبل ولا بقر ولا حمير، وإني ضارب لهم مثلا فاسمعوه: قل لهم: كيف ترون في أرض كانت زمانا من زمانها خربة مواتا لا حرث فيها، وكان لها ربّ قويّ حليم، فأحاط عليها سياجا وشيّد فيها قصرا وأنبط فيها نهرا وصنّف فيها غراسا من الزيتون والرّمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار، وولّى ذلك ذا رأي وهمّة حفيظا قويّا أمينا؛ فلما جاء إبّان إثمارها أثمرت خرّوبا، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ قالوا:

كنا نقول: بئست الأرض أرضك، ونشير عليه أن يقلع سياجها، ويهدم قصرها، ويدفن نهرها، ويحرق غرسها حتى تعود خربة مواتا لا عمران فيها؛ قال الله تعالى: قل لهم، إن السياج ذمتي، وإنّ القصر شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن القيم نبيّ، وإن الغرس مثل لهم، والخرّوب أعمالهم الخبيثة؛ وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم، يتفزّبون إليّ بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحم ولا آكله. ويدعون أن يتقرّبوا إليّ بالتقوى والكفّ عن ذبح الأنفس التي حرّمتها ويشيّدون لي البيوت ويزوّقون لي المساجد؛ وأيّ حاجة بي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلها؛ إنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبّح، وينجّسون أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ويخرّبونها، يقولون: لو كان يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان يقدر على أن يفقّه قلوبنا لفقّهها. فاعمد إلى عودين يابسين فاكتب فيهما كتابا ثمّ ائت ناديهم أجمع ما يكونون، فقل للعودين: إن الله يأمركما أن تعودا عودا واحدا؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا فصارا عودا واحدا، وصار الكتاب في طرفي العود كتابا واحدا: يا معشر القبائل، إن الله يقول لكم: إني قدرت على أن أفقّه العيدان اليابسة وعلى أن أؤلّف بينها؛ فكيف لا أقدر على أن أجمع

<<  <  ج: ص:  >  >>