للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر الدنيا والدين، فهو غاية علم العالم وبصر البصير وفهم السامع، ليس كسائر الأشياء التي تدخلها الشبهات ويجرحها الإغفال ويشوبها الوهن؛ وذلك أنّ الله تعالى جعل مغرسه القلب؛ وأغصانه العمل، وثمرته الثواب. وإنما جعل القلب لليقين مغرسا، لأنه جعل الخمس الجوالب لعلم الأشياء كلّها إلى القلب: السمع والبصر والمجسّة والمذاقة والاسترواح. فإذا صارت الأشياء إليه ميّز بينها العقل، ثم صارت بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبت لها والموجّه كلّ واحدة منهن جهتها. ولولا معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرق سمع بين صوتين مختلفين، ولا بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسّة بين شيئين غير متشابهين. ولليقين بعد ذلك منزلة يعرف بها حال الضارّ والنافع في العاقبة عند الله تعالى. فلما صار اليقين في التشبيه كالشجرة النابتة في القلب، أغصانها العمل وثمرتها الثواب، أخبر ذلك أنه قد تكون الشجرة نابتة الأصل بلا أغصان كما قد يكون اليقين نابتا بلا عمل؛ وأنه كما لا تكون الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل نافعا إلا بيقين؛ وكما أنه لا تخلف الثمرة في الطيب والكثرة إذا كان الأصل نابتا والأغصان ملتفّة، فكذلك يكون الثواب لمن صح يقينه وحسن عمله. وقد تعرض للأعمال عوارض من العلل؛ منهنّ الأمل المثبّط «١» ، والنفس الأمّارة بالسوء، والهوى المزيّن للباطل، والشيطان الجاري من ابن آدم مجرى الدم، يضررن بالعمل والثواب، ولا يبلغ ضررهن اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يعرض للشجرة من عوارض الآفات فتذوي أغصانها وتنثر ورقها وتمنع ثمرتها والأصل ثابت؛ فإذا تجلّت الآفة عادت إلى حال صلاحها. فإذا يعجبك من عمل امرىء لا يشبه يقينه وأنّ يقينه لا يرتبط رجاءه وخوفه على ربه؟ فإنما العجب

<<  <  ج: ص:  >  >>