للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» (١) وفي رواية أخرى «أن عتبة استمع حتى جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: ١٣] فقام مذعَورًا، فوضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنشدك الله والرحم، وطلب منه أن يكف عنه، فرجع إلى قومه مسرعًا كأن الصواعق ستلاحقه، واقترح على قريش أدى تترك محمدًا وشأنه، وأخذ يرغبهم في ذلك» (٢).

لقد تخير رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله- تعالى-، ثم بحكمته العظيمة هذه الآيات من الوحي، ليعرف عتبة حقيقة الرسالة والرسول، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحمل كتابًا من الخالق إلى خلقه، يهديهم من الضلال، وينقذهم من الخبال، ومحمد صلى الله عليه وسلم قبل غيره مكلف بتصديقه والعمل به، والوقوف عند أحكامه، فإذا كان الله- عز وجل- يأمر الناس بالاستقامة على أمره، فمحمد صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك، وهو لا يطلب ملكًا ولا مالًا ولا جاهًا، لقد مكنه الله من هذا كله، فعف عنه وترفع أن يمد يديه إلى هذا الحطام الفاني؛ لأنه صادق في دعوته، مخلص لربه، صلى الله عليه وسلم (٣).

وهذا موقف من أعظم مواقف الحكمة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو قد ثبت وصدق في دعوته، ولم يرد مالًا، ولا جاهًا، ولا ملكًا، ولا نكاحًا، من أجل أن يتخلى عن دعوته، وقد اختار الكلام المناسب في الموضع المناسب، وهذا هو عين الحكمة.


(١) أخرج هذه القصة ابن إسحاق والمغازي ١/ ٣١٣ من سيرة ابن هشام، قال الألباني: وإسناده حسن إن شاء الله. انظر فقه السيرة للغزالي ص١١٣، وتفسير ابن كثير ٤/ ٦١، والبداية والنهاية ٣/ ٦٢، والرحيق المختوم ص١٠٣.
(٢) انظر: البداية والنهاية ٣/ ٦٢، وتفسير ابن كثير ٤/ ٦٢، وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم السيرة ص ١٥٨، وفقه السيرة لمحمد الغزالي ص١١٤، وهذا الحبيب يا محب ص١٠٢.
(٣) انظر: فقه السيرة لمحمد الغزالي، ص١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>