للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - موقفه صلى الله عليه وسلم مع اليهودي زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعفو عند القدرة، ويحلم عند الغضب، ويحسن إلى المسيء، وقد كانت هذه الأخلاق العالية من أعظم الأسباب في إجابة دعوته والإيمان به، واجتماع القلوب عليه، ومن ذلك ما فعله مع زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود وعلمائهم الكبار (١) جاء زيد بن سعنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه دينا له عليه، فأخذ بمجامع قميصه وردائه وجذبه، وأغلظ له القول، ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوجه غليظ وقال: يا محمد ألا تقضيني حقي، إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطْلٌ، وشدّد له في القول، فنظر إليه عمر وعيناه تدوران في رأسه كالفلك المستدير، ثم قال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَةٍ وتَبَسُّمٍ، ثم قال: «أنا وهو يا عمر كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التقاضي، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمرٍ"،» فكان هذا سببًا لِإسلامه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وكان زيد قبل هذه القصة يقول: «لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا» (٢)


(١) انظر: هذا الحبيب يا محب ص ٥٢٨، وهداية المرشدين ص ٣٨٤.

(٢) ذكر ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة هذه القصة، وعزاها إلى الطبراني، والحاكم، وأبي الشيخ في كتابه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وابن سعد، وغيرهم، ثم قال ابن حجر: ورجال إسناده موثقون. . ومحمد بن أبي السري وثقه ابن معين. . والوليد قد صرح بالتحديث ١/ ٥٦٦ وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وعزاه إلى أب نعيم في الدلائل. البداية والنهاية ٢/ ١٣١٠. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٢٤٠: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>