للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعتزلة والكلابية]

ثم لما جاءت المعتزلة كـ ابن أبي دؤاد وغيره وقد كان ظهورها قبل ذلك في مسألة الإيمان والقدر، ثم تطور حالهم حتى إنهم دخلوا في نفي الصفات، فنفوا عن الله عز وجل جميع الصفات الخبرية والاختيارية، وأبقوا لله عز وجل الأسماء وقالوا: إنها أعلام محضة لا مضمون ولا معاني لها، ورأوا أنه ليس في ذلك كبير إشكال، فإن الجهم كان ينفي الصفات والأسماء جميعاً، ويرى أن تعدد الأسماء يستلزم منه تعدد الآلهة، فجاءت المعتزلة وقالوا: لا يلزم ما دام أنها أعلام محضة، فالسارية والعمود والجدار شيء واحد، لكن فرغوها من معناها وصارت أعلاماً محضة، وعندما قالت المعتزلة بخلق القرآن أقنعوا المأمون، وكان أمير المؤمنين في زمانه، فلما أقنعوه بذلك امتحن أهل العلم وحصلت الفتنة المشهورة التي ثبت فيها الإمام أحمد ونصره الله سبحانه وتعالى، فلما أطلق الإمام أحمد رحمه الله من السجن صار يفتي الناس بالحق، وصار إماماً مشهوراً في كل البلاد، وصار الذين يردون على المعتزلة نوعان: النوع الأول: هم الأصل وهم أهل السنة والجماعة من أتباع الإمام أحمد ومن كان من أقرانه أو شيوخه، لكن الإمام أحمد رحمه الله برز كعالم أثر تأثيراً كبيراً في حياة الناس، وإلا فإن هذه العقيدة هي عقيدة القرآن والسنة وعقيدة الصحابة والتابعين قبل الإمام أحمد رحمه الله.

فالشاهد: أن الاتجاه الأول الذين يردون على المعتزلة: هم أهل السنة والجماعة، وقد ردوا على المعتزلة وأثبتوا الصفات لله سبحانه وتعالى.

وظهرت طائفة ثانية استخدمت علم الكلام كطريقة في الرد على المعتزلة وكان زعيمهم: عبد الله بن سعيد بن كلاب، وكان ذكياً واشتغل بعلم الكلام واتبعه طائفة من المشتغلين بعلم الحديث، وردوا على المعتزلة بنفس المنهاج والطريقة وهي: الحجاج العقلي والمناقشات العقلية بعيداً عن القرآن والسنة، فظهرت عندهم بدعة، وهذه البدعة هي: نفي الصفات الاختيارية عن الله عز وجل، فنفوا أن يتكلم الله عز وجل بحرف وصوت، ونفوا المحبة، والبغض والكراهة، والضحك والإرادة، أو فسروها بتفسير يدل على النفي، ونحو ذلك من الأفعال الاختيارية التي سيأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

فأنكر عليهم علماء السنة في زمانهم إنكاراً كبيراً، وأمر الإمام أحمد بهجر عبد الله بن سعيد بن كلاب وسميت هذه الطائفة: الكلابية نسبة إلى عبد الله بن سعيد بن كلاب، فنفوا الصفات الاختيارية عن الله عز وجل وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وأولوا ما وجدوه في النصوص الشرعية، فوافقوا المعتزلة في هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>