وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعلم، وحث عليه، وبين فضله وفضل أهله، وبين منزلتهم، حتى أن أهل العلم صنفوا كتباً مستقلة في هذا الموضوع تبين منهج الإنسان في دراسته للعلم، والعلم يحتاجه كل مسلم، وطالب العلم على وجه الخصوص يحتاجه أكثر، كما لا بد لطالب العلم من دراسة المنهج الذي يسير عليه حتى يصل إلى العلم بالطريقة الصحيحة؛ فإنه ليس كل مشتغل بالعلم أو كل قارئ للعلم يكون طالب علم فعلاً، فإنه في بعض الأحيان قد يقرأ الإنسان كثيراً ويشتغل بالعلم كثيراً، لكنه يشتغل على منهج خاطئ، وحينئذٍ قد تمر عليه السنتان والثلاث والعشر فلا يستفيد شيئاً بسبب الطريقة التي سلكها في دراسة العلم، ومن هنا كانت المنهجية في طلب العلم مهمة جداً لطالب العلم حتى يصل إلى نتيجة صحيحة بإذن الله تعالى.
ومن معالم هذا المنهج الذي نحن بحاجة إليه: أن يدرس الإنسان صغار كتب العلم قبل كباره، وأن يتدرج الإنسان في طلبه للعلم، وأن يبدأ أول ما يبدأ بالعلم في العقيدة والأحكام، فيتعلم العقيدة الصحيحة، ويعلم الأحكام الفقهية التي يصح بها عمله، وكذلك ينبغي على طالب العلم أثناء دراسته لذلك أن يهتم بالمنهج الصحيح في الاستدلال، وينبغي أن يعرف قواعد أهل العلم في الاستدلال الصحيح، فليس كل استدلال يكون صحيحاً، عندما يأتي إنسان مثلاً ويبني عقيدة أو فكرة أو رأياً على قصة أو رؤيا أو قول من أقوال أهل العلم السابقين، ويترك النصوص الشرعية الواردة في ذات الموضوع، فلا شك في أنه مخالف للمنهج الصحيح في الاستدلال والوصول إلى الرأي الحق والمنهج الصحيح.
إذاً: لا بد أن يتعلم الإنسان قواعد الاستدلال، فأول ما يستدل ينبغي أن يستدل بالقرآن وبالسنة الصحيحة الثابتة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس الصحيح المنضبط الذي تتحقق فيه شروط القياس وتنتفي عنه موانعه عند عدم وجود الأدلة السابقة، وليس الكلام على مناهج الاستدلال وقواعده مرادنا، وإنما المراد الإشارة إلى أهمية الاستدلال وضرورته لطالب العلم.
إذاً: لا بد من المنهجية في دراسة العلم، ومن هنا كانت هذه الدروس التي تعقد -ولله الحمد- في المساجد بين الفينة والأخرى لتعليم العقيدة والأحكام ومناهج الاستدلال وقواعده حتى تصح عقيدة الإنسان، ويصح منهجه، وبالتالي يصح كل ما يبنى عليه، مثل الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك مما تحتاجه الأمة لتنمية نفسها وتطويرها.
والعقيدة الواسطية هي لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو عالم معروف له قيمته العلمية في تاريخ العلم الشرعي، وقد ترجم له كثير من العلماء بل صنفت بشأنه تراجم مستقلة رحمه الله تعالى.
ولا يمكن لنا لطول سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نستعرضها بشكل مفصل، لكن يمكن مراجعة سيرته بشكل مفصل في الكتب التي ترجمت له، ومن الكتب العصرية التي ترجمت له بشكل منظم: كتاب الدكتور عبد الرحمن المحمود: (موقف ابن تيمية من الأشاعرة)، فقد ترجم له ترجمة طويلة.