للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معتقد أهل السنة في المروي في مساوئ الصحابة وما صدر عنهم من الزلل]

يقول: [ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز الذنوب عليهم في الجملة].

لكن إجماع الصحابة معصوم، أي: أن أفراد الصحابة غير معصومين، لكن الإجماع معصوم ولا شك.

والدليل على عصمته: هو قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:١١٥] فاعتبر سبيل المؤمنين، وأن اتباع غيره ضلال يوجب العقوبة، ويوجب أن يكون من أهل جهنم.

يقول: [ولهم من السوابق -يعني: السابقة في الإسلام- والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.

وقد ثبت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون].

وهذا ثابت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

قال: [وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم، كما دل عليه الحديث السابق المتفق عليه.

ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف في الأمور التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؟!].

وهذا واضح، فإن للصحابة من الفضل والسابقة والمكانة ما يستحق به مغفرة ذنوبهم إن وقعوا فيها.

[ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله].

ولهذا اهتم العلماء بجمع تاريخ الصحابة، فألف ابن الأثير كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) وألف أبو نعيم وابن مندة كتباً في معرفة الصحابة، وألف الحافظ ابن حجر (الإصابة في معرفة الصحابة) وكل من تكلم عن تاريخ المسلمين يبدأه بالصحابة وتاريخهم وفضلهم، والذي يقرأ فيه يتعجب من عبادتهم وتقواهم وإخلاصهم لله عز وجل، وخوفهم من الله عز وجل، وحرصهم وبذلهم، وجهادهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعبة ومضنية، ومع ذلك كانوا أشد الناس ثباتاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>