وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، ولهذا تجد أن أهل السنة يحرصون على جماعة المسلمين وعلى ائتلاف قلوبهم، ويبتعدون عن الفرقة.
وقد يقول قائل: كيف تردون على الفرق الضالة وأنتم تدعون أنكم تسعون إلى وحدة جماعة المسلمين؟ فنقول: إن من السعي إلى وحدة جماعة المسلمين رد العدوان والباطل عنها، ومن الباطل: هدم الفرق الضالة، فليس المقصود عندما نقول: إنهم سموا الجماعة الحرص على الجماعة أياً كانت، وبأي طريقة، فلو قال إنسان: نريد أن نحرص على جماعة النوع الإنساني، فنجمع كل الناس بكل أديانهم، فهذا مجنون؛ لأن اليهود لن يتنازلوا عن يهوديتهم، ولا المسلمين عن إسلامهم، ولا النصارى عن نصرانيتهم، ودعواه هذا كفر جديد جاء به وهو جمع الأديان.
وكذلك الذي يقول: نريد أن نجمع الفرق الضالة مع جماعة أهل السنة والجماعة.
فهذا يريد أن يجمع الحق مع الباطل، والله عز وجل يقول:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٤٢].
والجماعة التي ندعو إليها ونحرص عليها هي جماعة أهل السنة، فهذه الجماعة ليست جماعة عضوية، أي: مجتمعين في بلد واحد ولهم حزب واحد، فهي ليست كذلك، وإنما هي جماعة وصفية، بمعنى: أن جماعتهم جماعة أوصاف، من تحققت فيه هذه الأوصاف فإنه منهم، سواء تعرف عليهم أو لم يتعرف عليهم، وسواءً كان من بلاد العرب الأخرى، أو من بلاد المسلمين الأخرى، أو من أي مكان آخر في الأرض وسواء كان رجلاً أو امرأة، أو كان عالماً أو غير عالم، وسواءً كان متخصصاً في العقيدة والعلوم الشرعية أو كان متخصصاً في الحاسب الآلي أو الهندسة أو الطب أو في أي مجال من المجالات، فإذا وجدت فيه الصفات والمقاييس الأساسية التي عند أهل السنة فهو من أهل السنة، ولا يخرج الإنسان عن وصف أهل السنة والجماعة إلا بالابتداع.
يقول المصنف رحمه الله تعالى:[وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضده الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين].
ولا يجوز أن يحصل هناك فرقة بين أهل السنة، وقد تحصل لكنها لا يجوز أن تكون، فقد يغضب بعض المسلمين على بعض، ويحصل بينهم اقتتال ومشكلات مثلاً، وكل هذا لا يجوز، فأهل السنة يجب أن يجتمعوا مع بعضهم ما دام أنهم من أهل السنة، ولا يصح أبداً أن يختلفوا من أجل اجتهاد سائغ شرعاً أو من أجل خلاف شخصي.
فالخلاف الشخصي لا يجوز أن يفرق جماعة أهل السنة، والاجتهاد الشرعي الذي استكمل شروطه الشرعية لا يجوز أن يفرق أهل السنة أبداً كذلك، وإذا ابتدع أحد خرج من أهل السنة ولا يهمنا الاجتماع معه، لكن أهل السنة أنفسهم لا يجوز أبداً أن يتفرقوا بسبب الخلافات الشخصية أو بسبب اجتهادات سائغة شرعاً، وأهل البدع الذين فارقوا السنة لا يجوز الاجتماع معهم وإقرارهم على الباطل، وإنما يجب توجيه الدعوة إليهم ونصيحتهم لعلهم ينتهون عما هم عليه من الباطل.