كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن؟ قبل أن نبين كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن، أحب أن أشير إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألف رسالة طويلة في نحو ثلاثمائة صفحة في تفسير هذه السورة، وهي موجودة ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الرابع، فذكر شيخ الإسلام رحمه الله كيفية عدل هذه السورة لثلث القرآن، حيث قال: إن القرآن من حيث الموضوعات ثلاثة أنواع: التوحيد، والقصص، والأوامر والنواهي وهي الأحكام، وهذه السورة جاءت بالكلام على التوحيد، فجاءت بالحديث عن ثلث موضوعات القرآن، ويدل على ذلك: أن القرآن كلام الله عز وجل، والكلام عند أهل البلاغة ينقسم إلى خبر وإنشاء، والخبر هو الذي يحتمل الصدق والكذب، والإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق والكذب، كالأمر والاستفهام والتمني والترجي ونحو ذلك من المعاني، فالإنشاء هو الأمر والنهي والأحكام مثل: الأوامر والمناهي الشرعية، فهذا الثلث الأول، وأما الأخبار فإن الأخبار الواردة في القرآن نوعان: أخبار عن الخالق، وأخبار عن المخلوق، فصار عندنا ثلاثة أنواع: أخبار عن الخالق وهو التوحيد، وأخبار عن المخلوق وهي القصص، ويدخل في ذلك الأخبار عن الجنة والنار والحشر، ويدخل في ذلك الأخبار عن الأمم الماضية وتعذيبهم ونحو ذلك، والأمر والنهي وهي الأحكام، وهذا من قسم الإنشاء، وحينئذ نعرف لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأن التوحيد موجود في ثلث القرآن، والمقصود بالتوحيد هنا هو الآيات الواردة في التوحيد بشكل مباشر، أما الآيات الواردة في التوحيد بشكل غير مباشر فالقرآن كله توحيد -كما قال ابن القيم رحمه الله- لأن كل القصص الواردة لها علاقة بالتوحيد، فالجنة هي الجنة جزاء الموحدين، والنار جزاء الكفار الذين تركوا التوحيد، وكل القصص الموجود في القرآن له علاقة بالتوحيد، لكن المقصود هنا بالتوحيد الذي هو ثلث موضوعات القرآن: الآيات الواردة بشكل مباشر في التوحيد.