[حكم نفي القدر المشترك بين أسماء صفات الله تعالى وصفات خلقه]
الأمر الثاني: هل ينفى القدر المشترك؟ بين صفات الله عز وجل وبين صفات خلقه قدر مشترك، مثلاً: الله عز وجل سمى نفسه سميعاً بصيراً، كما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:١ - ٢]، إذاً: الإنسان سميع بصير، والله عز وجل سميع بصير.
وسمى نفسه حياً في قوله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥]، وسمى بعض خلقه حياً: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:١٩].
وهذه المشابهة لا تقتضي مشابهة في المسميات، بل هي مشابهة في الأسماء فقط، فالله عز وجل سميع، وبعض خلقه سميع، لكن سمع المخلوق ليس كسمع الخالق؛ لأن السمع هنا مضاف إلى الله عز وجل، والسمع هناك مضاف إلى خلقه.
وكذلك الحي، حيث سمى الله نفسه سبحانه وتعالى ووصف نفسه بالحياة، وسمى بعض خلقه ووصفهم بالحياة كذلك، وليست الحياة هنا كالحياة هنا، وهناك قدر مشترك.
هذا القدر المشترك يعرفه العلماء بأنه: معنى كلي عام لا يتحدد إلا بالاختصاص، وهناك بعض المخلوقات في الدنيا تتفق في الأسماء وتختلف في الحقائق، مثلاً يد النملة ويد الفيل، فاتفقت يد النملة مع يد الفيل في اسم اليد، لكن اختلفت في الحقيقة، فأنتم تجدون أن يد الفيل لها صفة خاصة بها في الحجم والهيئة والشكل، ومختلفة تماماً عن يد النملة في الهيئة أيضاً والشكل والصفة، فإذا كانت مخلوقات الله عز وجل اتفقت في الأسماء واختلفت في الصفات والمسميات، فكيف بالخالق والمخلوق؟! لا شك أن الفرق سيكون أعظم.
وهكذا الأمر في الاتفاق بين بعض المخلوقات، مثل بعض الأسماء الموجودة في الدنيا وبعض الأسماء الموجودة في الآخرة، فمثلاً في الدنيا توجد فواكه ولحم ورمان ونخل، وفي الآخرة في الجنة لحم وفواكه ورمان ونخل وغير ذلك من الأشياء التي وردت في الجنة مما توجد لها أسماء ومسميات في الدنيا، ومع ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء.
فإذا قيل لنا: إن في الجنة رماناً، نقول: لكنه قطعاً لا يشبه الرمان الموجود في الدنيا، بل لا يشبه أحسن رمان موجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبداً لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرب الله عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة -وهي غيبيات لم نرها بأعيننا- بأسماء موجودة في الدنيا نعرفها، فإذا كان هذا بين مخلوقات الله عز وجل، فإذا وجد تشابه بين صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوقين؛ فإنما يكون هذا التشابه بالاسم فقط، وهو القدر الذي اصطلح عليه أهل العلم بتسميته القدر المشترك، وهو معنى كلي عام لا يتحدد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام فلا يمكن أن يتحدد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين.
هذا هو القدر المشترك بين الأشياء عموماً.
وأنت إذا سمعت كلمة (يد) فإنك لا تعرف ما المقصود بها، فإذا قيل لك: يد فلان عرفت أن هذه اليد لكذا، وإذا قيل لك: يد الفيل عرفت أنها على صفة أخرى، مع الاتفاق في الاسم.
لكن هل يصح في قاعدة النفي: أن ننفي القدر المشترك؟ بمعنى أن نقول: إن صفات الله عز وجل ليس بينها وبين صفات المخلوقين اتفاق في الأسماء، وليس هناك قدر مشترك في الاتفاق بالأسماء؟ لا يصح أن ننفي هذا؛ لأننا إذا نفينا هذا نفينا وجود الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، وسمى خلقه بأسماء ووصفهم بصفات، قد تتشابه هذه الأسماء في مجرد الاسم فقط، وأما الحقائق فهي مختلفة، فإذا نفينا أن يكون لله عز وجل أسماء تشابه أسماء بعض خلقه، نكون بهذا تقد نفينا وجود الله عز وجل.
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث عن هذا الأمر في (الرسالة التدمرية) و (منهاج السنة النبوية)، ولا شك أن من لوازم نفي القدر المشترك: نفي وجود الله سبحانه وتعالى، فإذا قيل لهم: هل الله عز وجل سميع؟ قالوا: لا ليس بسميع؛ لأن في بعض خلقه من هو سميع.
وإذا قيل: هل الله بصير؟ قالوا: ليس ببصير.
وإذا قيل لهم: هل الله موجود؟ قالوا: بعض خلقه موجود.
ولهذا لا بد أن يوجد اتفاق في الأسماء بين صفات الله وصفات خلقه، والتشابه في الأسماء لا يقتضي التشابه في الحقائق؛ لأن الله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وليس سبحانه وتعالى مثل خلقه بأي وجه من الوجوه، فإذا نفوا وجود قدر مشترك في الأسماء فمعنى هذا أنهم سينفون الأسماء والصفات بأكملها، بل سينفون وجود الله عز وجل، إذا قلنا لهم: هل الله موجود؟ سيضطرون أن يقولوا: نعم موجود، ونحن أيضاً موجودون، قالوا: لا، وجود ال