حقيقة العبد بين كونه مسيرًا ومخيرًا
والحقيقة أن موضوع القدر موضوع يهم الجميع ويفكر فيه كل الناس.
وهو موضوع حساس اختلف فيه المسلمون قديماً وما زال الخلاف مستمراً فيه إلى اليوم.
وقد طرح كثير من الناس سؤالاً وهو: هل المسلم مسير أم مخير؟ يعني: هل هو مسير بقضاء سابق يدفعه إلى العمل ولا يستطيع أن يتحرك برغبته، أم هو مخير ينتقي من الأعمال ما شاء ويترك ما شاء؟ وقد تخبط في الإجابة على هذا السؤال كثير من الباحثين.
فبعضهم أجاب بأنه: مسير مطلقاً، وأراد بذلك تعظيم الله عز وجل، وإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له.
وبعضهم أجاب بالعكس وقال: إنه مخير مطلقاً.
ودافعوا عما سموه بحرية الإرادة الإنسانية، وصنفوا المؤلفات فيها.
وحاولوا أن يدفعوا فكرة أن هناك قدر سابق قدره الله سبحانه وتعالى على العباد.
والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان مسير في أشياء ومخير في أشياء.
فمن تسيير الله له أن خلقه في هذا الوقت مثلاً.
فأنت مثلاً خلقك الله عز وجل في القرن الخامس عشر الهجري ولم يخلقك مثلاً في زمن إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو محمد صلى الله عليه وسلم.
فتحديد الوقت الذي خلقت فيه لم تخير فيه، وإنما أنت مسير فيه بتقدير الله عز وجل لك.
ولهذا نفذ تقدير الله عز وجل فيك في هذا، وخلقت في هذا القرن.
وكذلك طولك وقصرك ولونك وأمك وأبوك ونحو ذلك أنت مسير فيها ولست مخيراً.
فالإنسان لا يختار شكله ولا لونه ولا طوله قبل أن يولد، وإنما ولد على هذه الهيئة التي خلقه الله عز وجل عليها، ولم يكن له في ذلك تدبير ولا تخيير.
وهو مخير من جهة أخرى، فهو مخير في الأعمال والأقوال والإرادات التي يقوم بها.
فهو مخير في فعل الصالحات أو المعاصي، وفي قول الحق أو الباطل، وفي الكفر أو الإيمان.
والحقيقة هي: أن هذا الموضوع ليس هو مدار النقاش.
فليس خلاف الفرق وخلاف الناس في أن الإنسان مسير في طوله وقصره، فهذا الأمر يعرفونه بالضرورة.
والإنسان كما هو معلوم له فعل اضطراري وفعل اختياري.
فأما الفعل الاضطراري فهو الذي يحدث فيه من غير إرادته، كالطول والقصر واللون والشكل والوقت الذي ولد فيه وأبيه وأمه وأخوته ونحو ذلك، كسقوط الإنسان عندما يسقط من مكان مرتفع فإنه لا يستطيع أن يرد نفسه مرة أخرى فكل هذه تسمى أفعالاً اضطرارية.
وأما الأفعال الاختيارية فهي التي خير فيها الإنسان، فقد خلق الله عز وجل له إرادة وقدرة ينتج عنها العمل الذي يعمله.