[شبهة المعطلة النفاة والرد عليها]
شبهة المعطلة النفاة الذين نفوا صفات الله عز وجل هي: أنهم قالوا: إذا أثبتنا الصفات فإنه يلزم منها مشابهة المخلوقات، فأرادوا تنزيه الله عز وجل فنفوا صفات الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا خطأ باطل، وبدعة ضالة منحرفة، سببها عدم معرفة أحكام الله عز وجل؛ فإن قولنا بإثبات الصفات لا يعني أننا نشبه الله عز وجل بالمخلوقات، وإنما ننفي عنه مشابهة المخلوقات، وهذا هو التوحيد الخالص: أن تعطي الله عز وجل صفات الكمال، وأن تنفي عنه مشابهة المخلوقات.
وفي الحقيقة أن شبهة المعطلة أعمق مما أشرت إليه، وأعمق مما يدركه كثير من الناس؛ لأن مشكلتهم بدأت من الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى، فاستدلوا على وجود الله عز وجل بدليل سموه حدوث الأجسام، وهذا الدليل طويل له مقدمات متعددة أرادوا من خلاله أن يصلوا إلى إثبات أن العالم حادث بعد أن لم يكن موجوداً، وأرادوا بالتوصل لهذه النقطة أن يتوصلوا إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لهذا الحادث -أي: العالم- ولا يمكن أن يكون الخالق حادثاً مثله، بل هو قديم سبحانه وتعالى.
هذا الدليل الذي استدلوا به له مقدمات متشعبة لا أريد عرضها بالتفصيل ولا تهمنا، لكن هذا الدليل -دليل حدوث العالم- صارت له لوازم التزموها، فلما التزموها نفوا صفات الله عز وجل، وترتب على هذه اللوازم القول بفناء الجنة والنار عند الجهمية، وبنفي الأسماء عند المعتزلة، وأما الأشاعرة فإنهم اضطربوا ووقعوا في حيرة، وهكذا كل أحد يتبع غير الكتاب والسنة دائماً يقع في حيرة ويتردد، فهم وقعوا في حيرة حينما أثبتوا سبع صفات، ولم يثبتوها بالوجه الشرعي، وإنما أثبتوها أسماء فقط، فسألهم المعتزلة الذين ينفون الصفات جميعاً، فقالوا لهم: أنتم الآن أثبتم سبع صفات ونفيتم الباقي، إذاً: أنتم متناقضون، إما أن تثبتوا الباقي، وإما أن تنفوا الباقي؛ لأن ما أثبتموه نظير ما نفيتموه، وما نفيتموه مثل ما أثبتموه، ليس هناك فرق، فوقعوا في الانحراف والضلال.
القاعدة الثانية هي: تنزيه مشابهة الله عز وجل عن مشابهة المخلوق بأي وجه من الوجوه سواء بتخيل أو قول، كما قالت المشبهة: بأن الله عز وجل يشبه خلقه.
وهنا نرد على جزء آخر من المعطلة، وهم أهل التفويض وهم الذين قالوا: نحن ننفي مشابهة الله للمخلوقات، لكن هذه الصفات ليس لها معانٍ ندركها، وإنما هي مثل الألغاز والأحاجي والكلام الذي لا معنى له.
يعني: لو أن إنساناً ركَّب كلمة من خمسة حروف لا معنى لها في لغة العرب يقولون: صفات الله عز وجل مثلها أنت لا تدرك لهذه الكلمة معنى وكذلك صفات الله لا ندرك لها معنى.
ولا شك أن هذا ضلال وانحراف.
وسيأتي الإشارة إلى كلامهم في موضعه والرد عليه.
هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثاني: ما هي شبهة المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه؟ شبهتهم أنهم قالوا: إن الله عز وجل أثبت لنفسه الصفات، ولا يمكن أن يخاطبنا بما لا نعقله، ونحن لا نعقل هذه الصفات الموجودة بيننا مثل اليد والقدم ونحو ذلك، فأثبتوا أن الله عز وجل مثل خلقه، ولهم كلام قبيح جداً ذكره عدد من أهل العلم في إثباتهم للتشبيه، فهم يشبهون الله عز وجل بخلقه وكأنه فرد من أفراد خلقه -والعياذ بالله- وهذا ضلال وانحراف.
والتشبيه ينقسم إلى قسمين: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي وقع فيه المشبهة الضالون الذين قالوا: لله يد كأيدينا، ونزول الله كنزولنا ونحو ذلك.
وهناك نوع آخر من التشبيه وهو: تشبيه المخلوق بالخالق، وهذا الذي وقع فيه غلاة الصوفية الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فهم يشبهون أولياءهم بأن لهم قدرات خارقة، وأنهم يستطيعون تصريف الكون، ويسندون إليهم أعمالاً وصفات لا تكون إلا للخالق سبحانه وتعالى، وهذا ضلال مبين أيضاً.