والمعطلة لصفة العلو انقسموا إلى قسمين: المشتغلين بعلم الكلام، والمشتغلين بالفلسفة، فإذا قالوا: إن الله عز وجل ليس في العلو قال لهم الناس: أين هو؟ قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم! فهؤلاء هم المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.
وأما المشتغلون بالتصوف والتعبد إذا سئلوا فقيل لهم: أين من تعبدون؟! قالوا: في كل مكان؟! فالقول الأول والقول الثاني يتفقان على نفي العلو عن الله عز وجل، فالجميع ينفي العلو، ولكن كل قول من الأقوال له جهة سببها منهج الدراسة والتعليم، فالذين قالوا: إن الله لا خارج العالم ولا داخل العالم سبب قولهم هذا هو دراستهم لعلم الكلام؛ وعلم الكلام والفلسفة يتجه نحو التجريد، والإيمان بالخيالات، والإيمان بالمتناقضات، ولهذا قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم.
وأما المشتغلون منهم بالتعبد، فإن التعبد يقتضي وجود إله معبود؛ فإنه لا يمكن أن يقولوا: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فسيقال لهم: وأين هو؟ وكيف تعبدونه؟ وكيف تتوجهون إليه، وهو لا داخل العالم ولا خارجه؟ فاضطروا إلى القول بأنه في كل مكان، ولهذا قالوا: هو في كل مكان، بل قال ابن عربي: إن الكون جميعاً هو الإله، وإن الناس هم الإله، وإن كل شيء موجود في الكون فهو الله عز وجل، فالشجر هو الله! والإنسان هو الله! والحيوان هو الله! وكل شيء هو الله! حتى الكلام قال: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وقال: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف؟! إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف؟ يقول: العبد رب والرب عبد، يعني: هو هو.
وقال:(يا ليت شعري من المكلف)، ولهذا أسقط التكاليف، يقول من المكلف فيهما وهذا هو هذا وهذا هو هذا؟ ولماذا تكلفون الناس بتكاليف؟ المفروض أنه لا يكلف أحد لا بصلاة ولا بصيام ولا بحج ولا بزكاة، ثم دلل على هذا فقال:(إن قلت عبد) يعني: إن قلت: المكلف هو العبد.
(فذاك رب) يعني: العبد هو الرب.
(وإن قلت رب أنى يكلف) يعني: كيف يكلف الرب، ولهذا توصل إلى أن الكون جميعاً هو الله، وأنه لا يوجد رسالات، وأنه لا يوجد حق وباطل، وأن كلام فرعون عندما قال:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤] هو عين الحق، وهو الصواب الذي لا محيد عنه! وقال: إن ادعاء النمرود بأنه يحيي الموتى صدق لا شك فيه! ونحو ذلك من المقالات الكفرية التي يقول عنها ابن تيمية رحمه الله مع اطلاعه على مقالات الناس: ما رأيت مثلها في مقالات العالم، يعني: لا يوجد مثلها في مقالات العالم، فإنهم يقولون: كل شيء هو الله، والعياذ بالله! ولهذا صار هؤلاء يستحلون المحارم، وصاروا يفعلون المنكرات الظاهرات البينات ويقولون: هذا حلال لنا، وظهرت الباطنية في بلدان مختلفة يستخدمون الحشيش ويشربون الخمر ويزنون بالمحارم ويفعلون المنكرات الكبرى ويسقطون التكاليف عن العباد! ومن أعظم حججهم هذه العقائد الفاسدة، حتى إنه ظهر رجل في اليمن اسمه علي بن الفضل منذ زمن بعيد وأحل للناس المحارم، وأباح لهم المنكرات جميعاً، يقول في قصيدة له: خذي الدف يا هذه والعبي وغني هزاريك ثم اطربي تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام فلم يتعب فلا تمنعي نفسك المعرسين من الأقربين أو الأجنبي فكيف حللت لذاك الغريب وأصبحت محرمة للأب أليس الغراس لمن ربه ونماه في الزمن المجدب إذاً: هؤلاء زنادقة من المنافقين الذين اندسوا ممن يخدم فكر اليهود أو ربما يكون ورائهم اليهود الذين يعتقدون أن نجاحهم هو في إفساد عقائد العالم، فإن اليهود يعتقدون أن نجاح ديانة اليهودية وظهورها هو في إفساد عقائد العالم، فاليهودية ليست دين دعوة، فهم لا يدعون الناس إلى الدخول في اليهودية؛ لأنهم أصحاب عنصرية، فاليهود هم اليهود، وليس في الإمكان وجود أشخاص آخرين، ويظهرون على الأديان الأخرى مع أنهم أصحاب عنصرية بإفساد عقائد وأخلاق الآخرين، فظهر بولس شاول في النصرانية وأراد إفساد عقائد النصرانية، وكان بولس شاول هذا رجلاً يهودياً يعذب النصارى، ثم جاء يوماً من الأيام إلى النصارى بعد طول التعذيب وقال: أنا تنصرت، فلما سئل عن السبب قال: كنت متجهاً إلى قرية من قرى النصارى من أجل أن أعذبهم فجاءني نور من السماء وقال: أنا ابن الله المسيح! لماذا تعذب أتباعي؟ ثم قال لي: كرس بالإنجيل، يعني: احفظ الإنجيل وادع إلى الإنجيل، ثم أدخل فكرة الثالوثية في النصارى، وأن الإله مكون من ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، والتف عليه كثير من الجهلة من النصارى، ولهذا سماهم الله ضالين؛ لأنهم يتعبدون على جهل، فالتف عليه عدد كبير جداً من النصارى، وصاروا من أتباعه، وبقى الموحدون في عدد قليل، وانقرضوا مع الأيام، لا سيما عندما تنصر قسطنطين، وكان قسطنطين حاكم الامبراطور في دول الرومان تنصر على طري