قال الله:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥]، الكرسي هو مخلوق من مخلوقاته سبحانه وتعالى العظيمة وهو غير العرش؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة)، فهذا يدل على أن الكرسي غير العرش، وأنها جميعاً مخلوقة وليست من صفات الله عز وجل، لكنها موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، فقد ثبت في السنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكرسي موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، ولا يقدر قدره إلا الله.
ففي هذا الأثر عن ابن عباس فائدتان: الفائدة الأولى: أن الكرسي غير العرش.
والفائدة الثانية: أن الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، وهذا روي مرفوعاً وموقوفاً، والصحيح الموقوف، فإن المرفوع لم يثبت، ولكن هذا الموقوف له حكم الرفع؛ لأنه من الكلام في صفات الله عز وجل، ولا يمكن أن يتكلم ابن عباس في صفات الله عز وجل برأيه، وإنما يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا أيضاً رد على الذين أولوا الكرسي بأنه علم الله عز وجل، وهذا خطأ، فإن الكرسي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، وهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، كما سبق في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، فمن أوله بالعلم فقد ابتدع إلا إذا كان من أهل السنة، وكانت عنده شبهة فإنه يكون قد أخطأ، كما حصل للطبري رحمه الله تعالى.
قال:{وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}[البقرة:٢٥٥]، أي: لا يعجزه أو لا يتعبه سبحانه وتعالى.
فقوله:((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))، هذه من الصفات المنفية التي تدل على كمال الضد، وهي صفة القدرة، وسيأتي الحديث عنها مفصلاً عند صفة القدرة؛ لأنها تتعلق بها مسائل كثيرة جداً.
قوله:((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))، يشبه قول الله عز وجل:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:٣٨]، واللغوب هو التعب، وقد سبق أن بينت أن هذه الصفات المنفية تدل على كمال الضد، فـ:((لا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)) يعني: لا يتعبه ولا يعجزه حفظهما؛ لكمال قوته وقدرته سبحانه وتعالى، وكذلك:((وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ))، يعني: وما مسنا من إعياء وتعب؛ لكمال قدرته سبحانه وتعالى.
((وَهُوَ الْعَلِيُّ)) العلي اسم من أسماء الله عز وجل يتضمن صفة العلو لله عز وجل.
والعلو لله عز وجل ثلاثة أنواع: علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، وسنفرد لها إن شاء الله بالحديث لاحقاً.