قوله:(ومن الإيمان بالله؛ الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم).
هذا يدعونا إلى الحديث عن أنواع الصفات، فإن الصفات قسمها أهل العلم إلى أقسام، وهي ثلاثة أقسام بثلاث اعتبارات: قسموها باعتبار الدليل إلى صفات شرعية وصفات عقلية، ومعنى هذا: أن الصفات باعتبار نوع الدليل الذي يدل عليها قد يدل عليها العقل استقلالاً، وقد لا يدل عليها العقل استقلالاً، وإنما يدل عليها الشرع، وسيأتي معنا الحديث عن منزلة الاستدلال على العقيدة، فمن الصفات العقلية: صفة الحياة؛ فإن أي عاقل يعلم أن الإله لا بد أن يكون حياً؛ لأنه لا يتصور إله معبود وهو ميت، وكذلك العلم والقدرة؛ فإنه لا يتصور أن يكون إله جاهل أو عاجز، وهذا بالبداهة يعرفه أول ما تعرض عليه، وهو ما يسميه العلماء، الضرورة العقلية.
وهناك من الصفات ما لا يدل العقل عليها استقلالاً مثل صفة الوجه لله عز وجل، وصفة اليدين، والنزول ونحو ذلك من الصفات، فهذه الصفات لو لم ترد النصوص الشرعية بالتنبيه عليها لما عرفناها، ولهذا سميت شرعية.
النوع الثاني من أنواع الصفات هو: باعتبار تعلقها بالمشيئة فإن الصفات باعتبار تعلقها بالمشيئة نوعان: صفات ذاتية وصفات فعلية، أما الصفات الذاتية فهي التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، وهي الصفات الدائمة التي لا تعلق لها بالإرادة والمشيئة، مثل: صفة العلم والحياة واليدين والعينين ونحو ذلك من الصفات.
وأما الصفات الفعلية فهي: الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، إن شاء فعلها وإن شاء تركها، مثل: صفة النزول والاستواء والمجيء والإتيان والخلق، ونحو ذلك من الصفات.
والصفات الفعلية يسميها العلماء الصفات الاختيارية، وكلاهما بمعنى واحد، وهي تنقسم إلى قسمين: صفات فعلية متعدية، وصفات فعلية لازمة، فالصفات الفعلية المتعدية هي: التي يكون لها آثار مباشرة على الخلق، مثل: صفة الخلق والتدبير والإحياء والإماتة ونحو ذلك.
والنوع الثاني: صفات فعلية لازمة: مثل صفة النزول، فهذه ليس لها آثار على العباد، وقد ذكر هذا التقسيم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثاني من كتاب: درء تعرض العقل والنقل، وهذا المجلد كله خاص بالصفات الاختيارية، فقد أورد آيات كثيرة جداً، وبين وجه الاستدلال منها على هذه الصفات، وأحاديث وآثار عن الصحابة التابعين، ونقل نصوصاً كثيرة جداً لعلماء أهل السنة -من كتب بعضها مفقود- تدل على هذا الأمر، وقد اهتم بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لقوة الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة الذين ورثوا الانحراف في هذا الباب عن الكلابية.
النوع الثالث من الصفات: باعتبار النفي والإثبات؛ فإن الصفات باعتبار النفي والإثبات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات منفية، فمعنى فالصفات الثبوتية مثل إثبات الله عز وجل لنفسه العلم والحياة والقدرة ونحو ذلك، والصفات المنفية هي ما نفاها الله عز وجل عن نفسه مثل: نفي الند والمثيل والسِنة والعجز، {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}[ق:٣٨]، {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥].