بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد: فممن بحث موضوع اليوم الآخر الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)، وأيضاً الشيخ حافظ حكمي في المجلد الثاني من كتابه (معارج القبول)، فقد بحثا موضوع القيامة الكبرى بحثاً مفصلاً، وذكرا كثيراً من آيات التحدي وغيرها في هذه المسألة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ثم بعد هذه الفتنة -يعني: فتنة القبر- إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى].
في هذا المقطع مسألتان، المسألة الأولى هي مسألة: هل عذاب القبر ونعيمه مستمر إلى القيامة الكبرى أم أنه ينقطع؟ والحقيقة: أن عذاب الكفار مستمر كما هو معلوم، وأما المسلمين ممن لم يكفروا بالله عز وجل فيعذبون بقدر أعمالهم وبقدر ما يقدر الله سبحانه وتعالى عليهم من العذاب، وعذابهم ليس مستمراً، كما قال بعض الشراح، وقال بعضهم: إن عذاب الكفار ليس مستمراً، وبالتالي يكون عذاب المسلمين أولى من ذلك، ولا يكون مستمراً، واستدل على ذلك بقوله سبحانه وتعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦]، ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار يُعرضون على النار مرتين في اليوم، وقت الغدو، ووقت العشي، ووقت الغدو بعد الفجر، والعشي آخر النهار بعد العصر، وفهم منها بعضهم: أن المقصود من قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}[غافر:٤٦]، يعني: باستمرار، والحقيقة أن هذه الآية تشير فعلاً إلى أن الكفار لا يستمر عذابهم في القبر بشكل دائم؛ ولهذا جاء في قوله سبحانه وتعالى عنهم:{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}[يس:٥٢] فإن بعض العلماء فهم من هذه الآية أن عذاب الكفار في القبر ليس مستمراً، وعلى كل حال ليس هناك كبير إشكال في كونه مستمراً أو غير مستمر، وهذا الأمر عائد إلى الله عز وجل إن شاء عذبهم عذاباً مستمراً، وإن شاء لم يُدم عليهم العذاب، ولكنهم لا ينعمون باتفاق؛ لأن الكافر لا يمكن أن ينعم أبداً.