[الأدلة القرآنية على ثبوت عذاب القبر ونعيمه]
وعذاب القبر ونعيمه يثبته أهل السنة والجماعة لثبوت الأدلة فيه.
وقد أنكره الخوارج والمعتزلة، فقالوا: ليس في القبر نعيم ولا عذاب.
واستدل أهل السنة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه من القرآن الكريم بما يأتي: قال الله عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].
وهذا النص واضح بأن النار التي يعرضون عليها قبل يوم القيامة.
ولهذا قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].
فهذه النار التي يعذبون فيها ويعرضون عليها غدواً وعشياً هي قبل يوم القيامة.
وليس هناك نار يعرضون عليها إلا في القبور وبعد الموت.
ولهذا وردت آثار عن السلف الصالح رضوان الله عليهم في أن أرواح آل فرعون في طيور سود تعذب.
وظاهر الآية واضح في إثبات عذاب القبر.
وقال الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧].
فهذه الآية تدل على عذاب القبر؛ لأنه لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن القبر وبين أن الناس تمتحن فيه قرأ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧].
ولهذا أجمع المفسرون على أن هذه الآية ورادة في عذاب القبر ونعيمه.
وقال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:٩٣]، إلى آخر الآية.
وهذه الآية من الآيات التي استدل بها الإمام البخاري رحمه الله على إثبات عذاب القبر.
فقد عقد باباً في كتاب الجنائز باب: عذاب القبر.
وسرد مجموعة من الآيات منها هذه الآية، وجعلها دليلاً على إثبات عذاب القبر.
ووجه الدلالة من هذه الآية من ناحيتين: الناحية الأولى هي: أن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام:٩٣]، يعني: في أثناء الاحتضار.
((وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ)) يعني: يستعدون لها بالضرب.
وذلك أن روح المنافق والكافر إذا أراد الملائكة أن يخرجوها تتفرق في بدنه فلا يجمعونها إلا بالضرب، يضربونها من هنا وهناك، ثم يجمعون هذه الروح ويخرجونها.
فإذا كان الميت يعذب في غمرات الموت بسبب فسوقه وكفره؛ فإنه يعذب في قبره من باب أولى.
وهذا الوجه أفاده الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول.
والوجه الثاني: هو أن هذه الآية فسرت بآية أخرى في سورة محمد، وهي قول الله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد:٢٧].
فقالوا: إن الضرب على الوجوه والأدبار من الملائكة للفاسقين والكافرين يكون بعد الموت وقبل الدفن.
ووجه الدلالة حينئذ هو: أنه إذا كان الميت يعذب قبل دفنه فبعد دفنه من باب أولى.
وهذا أفاده الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في كلامه على هذه الآية.
وقال الله عز وجل: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:١٠١].
والمرتان الواردتان في الآية ليس المقصود بهما الآخرة.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:١٠١].
فعندنا في هذه الآية ثلاثة أنواع من العذاب: العذاب الأول، والعذاب الثاني، والعذاب الثالث يكون في الآخرة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:١٠١].
فأخبرت الآية أنه يعذبهم مرتين ثم بعدها يردون إلى العذاب العظيم.
والعذاب العظيم يكون في الآخرة يوم القيامة.
وأما المرتان فقال المفسرون فيها: إنهما عذاب في الدنيا وعذاب في القبر.
وقد روى ابن أبي حاتم والطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: العذاب الأول في الدنيا، والعذب الثاني في القبر.
وروي عن غيره أنه قال: العذاب الأول بالجوع والقتل، والعذاب الثاني في القبر.
ولهذا قال الحافظ ابن جرير الطبري المفسر المشهور: إن كل الآثار الواردة في تفسير المرتين متفقة على أن الثاني منهما عذاب القبر، واختلفوا في الأول.
فبعضهم على أنه في الدنيا بشكل عام، وبعضهم يجعلها بالقتل والسبي، وبعضهم يجعلها بالجوع والفقر، وما إلى ذلك.
وكلها تجمع على أن العذاب الأول في الدنيا، والعذاب الثاني يكون في القبر.
وهذا دليل صريح واضح على أن الناس يعذبون في قبورهم.