للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الملك]

ثم قال: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، هذه تدل على صفة الملك، فالله عز وجل مالك كل شيء، ومن أسمائه سبحانه وتعالى: الملك، ولهذا يقول: {مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:٢ - ٣] في آخر سورة في القرآن وهي سورة الناس، ومن أسمائه: المالك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤]، ومن أسمائه: المليك، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٤ - ٥٥] فهذه ثلاثة أسماء لله عز وجل تدل على صفة الملك له سبحانه وتعالى.

الملك من صفاته عز وجل، ومعناه: أن الله عز وجل مالك لكل شيء، وأمره نافذ فيه، فإنه قد يوجد مالك وأمره غير نافذ في ملكه، لكن الله عز وجل مالك لكل شيء، وأمره نافذ في ملكه سبحانه وتعالى، وفي هذا رد على الفلاسفة أهل الضلال الذين يقولون: إن الله عز وجل خلق هذا الكون ثم أهمله، كأنه ليس بملكه.

وقد ناقش أهل العلم مسألة: أيهما أبلغ ملك أم مالك؟ وذكر الشوكاني رحمه الله في فتح القدير قولين لأهل العلم، والصحيح: أن ملك أبلغ من مالك، وإن كان معناهما واحد.

وهذا يجرنا إلى الحديث عن الفرق بين ملك ومالك، فنقول: إن ملك صفة ذاتية، وأما مالك فهي صفة فعلية، وقد ذكر ذلك الشوكاني في فتح القدير.

وهذا يدعونا أيضاً إلى الحديث عن مسألة أخرى مهمة، وهي مسألة: هل صفات الله عز وجل تتفاضل، أو أنها ليست بمتفاضلة؟ هذه المسألة بحثها أهل العلم تبعاً لمسألة: هل آيات وسور القرآن تتفاضل أو ليست بمتفاضلة؟ والتحقيق في هذه المسألة: أن للتفاضل بين آيات القرآن جهتين: الجهة الأولى: غير متفاضلة، وهي كونها من كلام الله عز وجل جميعاً.

والجهة الثانية: أنها متفاضلة باعتبار الفروق في المعاني والدلالات، فإن الآيات التي وردت في التوحيد وفي الأمر بعبادة الله عز وجل أعظم من الآيات التي وردت في القصص أو الأحكام، ولهذا كانت سورة الفاتحة أعظم سورة؛ لاشتمالها على معاني التوحيد، وكذلك سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] تعدل ثلث القرآن.

ويمكن أن نورد كلاماً لـ شيخ الإسلام رحمه الله بحث فيه مسألة تفاضل أسماء الله عز وجل ضمن بحثه لتفاضل القرآن، فبعد أن انتهى من الحديث أن القرآن يتفاضل، قال: [وقول من قال: صفات الله لا تتفاضل ونحو ذلك.

قول لا دليل عليه، بل هو مورد النزاع، ومن الذي جعل صفة الرحمة لا تفضل على صفة الغضب؟! وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)، وهذا يدل على أن الصفات تتفاضل، وفي رواية: (تسبق غضبي)، وصفة الموصوف من العلم والإرادة والقدرة والكلام والرضا والغضب وغير ذلك من الصفات تتفاضل من وجهين: أحدهما: أن بعض الصفات أفضل من بعض، وأدخل في كل الموصوف بها -لعله في كمال الموصوف بها- فإنا نعلم أن اتصاف العبد بالعلم والقدرة والرحمة أفضل من اتصافه بضد ذلك، لكن الله تعالى لا يوصف بضد ذلك، ولا يوصف إلا بصفات الكمال، وله الأسماء الحسنى يدعى بها، فلا يدعى إلا بأسمائه الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفاته، وبعض أسمائه أفضل من بعض، وأدخل في كمال الموصوف بها، ولهذا في الدعاء المأثور: (أسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر)، ولقد دعا الله -عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) وأمثال ذلك، فتفاضل الأسماء والصفات من الأمور البينات].

هذا واضح على أن الصفات من حيث معانيها بعضها أفضل من بعض، ولهذا استدل الشيخ على تفاضل صفات الله عز وجل بدليلين: الدليل الأول: (إن رحمتي سبقت غضبي) وهذا يدل على فضل صفة الرحمة على صفة الغضب، وإن كان الموصوف بها واحد، وإن كانت جميعاً هي صفات كمال، لكن هي في الكمال متفاوتة، ولهذا أسماء الله تدل على أن صفاته متفاوتة أيضاً، فمنها الاسم الأعظم كما هو معلوم.

والثاني: أن الصفة الواحدة قد تتفاضل، فالأمر بمأمور يكون أكمل من الأمر بمأمور آخر، مع أن الصفة واحدة وهي الأمر، والرضا عن النبيين أعظم من الرضا عمن دونهم، مع أنها صفة واحدة وهي الرضا، والرحمة لهم أكمل من الرحمة لغيرهم، وتكليم الله لبعض عباده أكمل من تكليمه لبعض، وكذلك سائر هذا، وكما أن أسماءه وصفاته متنوعة فهي أيضاً متفاضلة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع مع العقل، وإنما شبهة من منع تفاضلها من جنس شبهة من منع تعددها؛ وذلك يرجع إلى نفي الصفات؛ لأنهم يعتقدون أننا إذا قلنا: إن صفات الله عز وجل متفاضلة، فمعنى هذا: أننا نعيب بعض الصفات، وهذا خطأ في الفهم، وكذلك الذين يقولون: إن صفات ا

<<  <  ج: ص:  >  >>