للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المنحرفون في اتباع السنة من القرآنيين والمتكلمين]

ثم نبتت نابتة في القرون المتأخرة ادعت أن السنة جميعاً المتواتر منها والآحاد ليس فيها حجة كافية، سواء في العقائد أو في الأحكام, وهؤلاء هم الذين سموا أنفسهم بالقرآنيين.

وهؤلاء القرآنيون الذين انتسبوا إلى القرآن يقولون: إنه لا حجة في السنة, فإذا استدللت عليهم بدليل في السنة لم يقروا به ولم يعترفوا به ولو كان حديثاً متواتراً, ولا شك أن هذا انحراف عظيم عن منهج أهل الإسلام، وعن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فالسنة مصدر من مصادر التشريع يجب الإيمان بها, وأخذها جميعاً, وهي تبين وتفصل وتؤسس, ومعنى أنها: تبين وتفصل, يعني: أنه قد يأتي مجمل في القرآن, كقول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣]، فتأتي السنة وتبين هذا المجمل الذي هو في قوله: (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) , فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة, وبين عدد ركوعها وكيفية الصلاة فيها, وقوله: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) بين النبي صلى الله عليه وسلم الأموال الزكوية, وأنصبتها جميعاً، وكيفية استخراج الزكاة منها.

والحقيقة أن الذين ينكرون السنة يريدون هدم الدين.

والسبب في ذلك: هو أن أغلب النصوص الشرعية التي تفصل أحكام القرآن جميعاً في السنة.

والقرآن أمر باتباع السنة, وهذه قضية مهمة وكثير من المبتدعة الضلال منهجهم منهج منحرف وكفري في الحقيقة.

فهؤلاء الذين يقولون: نحن لا نحتج إلا بالقرآن، نقول لهم: قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].

فاعملوا إذن بالسنة كما أمر القرآن.

والله عز وجل يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، ويقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه, والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته.

فالعمل بالسنة واجب شرعي، ولا يردها إلا منحرف ضال.

وممن انحرف في عدم اتباع السنة أهل الكلام, فإنهم قالوا: إن العقيدة لا تبنى إلا على العقل, يعني: أن العقيدة يقين ولا تبنى إلا على العقل، وأما القرآن والسنة فقالوا عنها: إن دلالات الألفاظ الواردة فيهما لا تفيد اليقين الجازم, وبالتالي لا يستدل بها على العقائد.

فأغلقوا على أنفسهم باب الهداية من كلام الله وكلام رسوله، نسأل الله السلامة والعافية.

ومصدر التلقي عند أهل السنة: القرآن والسنة، سواء كانت متواتر أو آحاداً والسنة المتواترة هي: التي نقلها جمع عن جمع يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، وأسندوها إلى شيء محسوس, وهذا المتواتر يفيد اليقين, والمقصود بالجمع هنا: العدد الكثير، سواء كانوا عشرة أو مائة أو مائتين أو ألفاً أو ألفين, عن جمع يعني: عن مثلهم, وأسندوه إلى شيء محسوس، يعني: أسندوه إلى شيء محدد, فمثلاً: القرآن متواتر؛ لأنه نقله جمع كبير من الصحابة أعدادهم بالآلاف, ونقله عنهم جمع من التابعين أعدادهم بالآلاف، ونقله كذلك جمع كبير جداً عن هؤلاء, وكلهم ينسبون هذا القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء به من عند الله عز وجل, وحينئذ فالقرآن لا مرية فيه ولا شك فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>