للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الرحمة]

والصفة الأخرى هي: الرحمة، وقد استدل المصنف لها بقوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٣٠] وهي آية في سورة النمل.

وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:٧].

وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣].

وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦].

وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤].

وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:١٠٧].

وقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤].

وفي هذه الآيات إثبات صفة الرحمة لله سبحانه وتعالى، يقول ابن الوزير اليماني الذي يعتبر من العلماء المتقنين الفطاحلة، وله كتاب العواصم والقواصم في تسعة مجلدات، و (إيثار الحق على الخلق)، وله كتب متعددة، وهو من المجتهدين، وقد كان زيدياً فرجع إلى عقيدة أهل السنة، يقول في كتابه (إيثار الحق على الخلق): كرر الله تعالى التمدح بالرحمة في أكثر من خمسمائة مرة في كتابه الكريم، منها: باسمه الرحمن أكثر من مائة وستين مرة، وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة، وجمعهما للتأكيد مائة وست عشرة مرة.

والأدلة التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية تدل على إثبات صفة الرحمة من طريقين: الطريق الأول: من اسمه الرحمن والرحيم، فإن اسمي الرحمن الرحيم يدلان على صفة الرحمة، ومن التصريح بصفة الرحمة وذلك موجود في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً} [غافر:٧] والرحمة هي الصفة.

وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦].

وأيضاً: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤].

فهذا هو الطريق الثاني في إثبات هذه الصفة.

وقد دل على صفة الرحمة أيضاً: مجموعة من الصفات الأخرى منها: الرأفة، يقول الله عز وجل: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:٨٣] واسم الله عز وجل الرءوف، وقد ورد اسم الله عز وجل الرءوف في عشرة مواضع في القرآن، منها: قول الله عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠]، وغيرها من المواضع، فالرأفة بمعنى: المحبة، وهناك فرق بين الرأفة والمحبة، وهو: أن الرأفة أرق وأخص من المحبة، وهي كما عبر ابن جرير الطبري في تفسيره للرأفة لاسم الله الرءوف في تفسير القرآن أنها أعلى معاني الرحمة.

وكذلك من الصفات التي وردت بمعنى الرحمة: الروح، يقول الله عز وجل: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧]، فالمقصود بروح الله رحمة الله عز وجل، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الريح من روح الله) ومعنى من روح الله أي: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده.

ويقول ابن الأثير رحمه الله في غريب الحديث عن حديث الريح: (ومن روح الله) أي: من رحمته بعباده.

وقال النووي في الأذكار عندما ذكر هذا الحديث: هو بفتح الراء روح: قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده، وكذلك ذكر ضبط هذا الحديث من روح الله أحمد شاكر في المسند وفسرها بأنها من رحمة الله، وكذلك الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في تعليقه على الكلم الطيب، قال: الروح هنا بفتح الراء والمقصود بها: الرحمة، والعجيب أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد التاسع في الفتاوى ظن أن معنى روح الله -بضم الراء- الجنة وقال: إن هذه من إضافة المخلوق إلى خالقه، وإنها مثل: وعيسى روح منه، والظاهر -والله تعالى أعلم- أن الصحيح هو أن ضبط الرواية: (من رَوح الله).

وكذلك ورد الحديث عن الرحمة في صفة أخرى، وهي: الحنان، والحنان من صفات الله عز وجل وهي واردة في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا} [مريم:١٢ - ١٣].

فقوله: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم:١٣] فسرها جماعة من السلف منهم: ابن جرير وغيره بأنها: محبةً منا، أي: رحمةً

<<  <  ج: ص:  >  >>