[الطوائف المنحرفة في صفة العلم]
وهناك طائفة من الطوائف منحرفة في هذا الباب، مع أن صفة علم الله عز وجل من أوضح الصفات الشرعية التي أخبر عنها القرآن الكريم ومنهم الفلاسفة، مثل: ابن سينا الذي يقول: إن الله عز وجل لا يعلم الجزئيات وإنما يعلم الكليات، فهو يعلم أن هناك إنساناً، لكن أفراد الإنسان فلان وفلان وفلان وفلان لا يعرفها، ويعلم أن هناك حيواناً، لكن أفرادها وأنواعها لا يعرفها.
ويقولون: يعلم أن هناك مخلوقات لكن أفراد المخلوقات لا يعرفها، ويقولون: يعرف الأشياء الكلية العامة لكن الأفراد والجزئيات لا يعلمها، وقد كفرهم العلماء بذلك.
وكفرهم أبو حامد الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة بثلاثة أشياء: أولاً: بهذه المقالة التي سبقت، وهي: إنكار علم الله عز وجل بالجزئيات، فقالوا: إن الله عز وجل لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم الكليات، فهم كفار بهذا السبب.
ثانياً: إنكار المعاد الجسماني، فهم يقولون: إن الناس لا يبعثون يوم القيامة بأجسامهم، وإنما يكون العذاب على أرواحهم فقط، وينكرون أن الجسد إذا تحلل يعود مرة أخرى، فهم مثل كفار قريش.
ثالثاً: قولهم إن النبوة تكتسب، يعني: يمكن للإنسان أن يكتسبها بالتمرين والرياضة الروحية، فيعتقدون أن الشخص لو روض نفسه على عزائم الأمور، ومعالي الأشياء لأمكنه أن يصير نبياً، وأن النبوة مثل الأخلاق التي عند الناس، عندما يدرب نفسه على الصدق وكظم الغيظ أو نحو ذلك.
هذا لا شك أنه كفر مخرج عن الملة.
ورد على الغزالي أحد الفلاسفة وهو ابن رشد في كتاب سماه تهافت التهافت، وكلام ابن رشد في تهافت التهافت باطل.
الطائفة الثانية المنحرفة في علم الله عز وجل: الرافضة: فإن الرافضة من أعجب الطوائف، فعندهم غرائب؛ فمن ذلك: أن الشيعة الرافضة يعتقدون أن أسماء الله عز وجل وصفاته هي أئمتهم، فمثلاً: يروي الكليني في أصول الكافي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنا وجه الله، وعلم الله وإرادة الله.
وهم يكذبون في هذا على علي بن أبي طالب.
وكذلك يروون عن أبي عبد الله جعفر الصادق -وهم يكذبون عليه أيضاً- بعض هذا، وهذه من غرائب البدع أنهم يعتبرون صفات الله عز وجل هي أئمتهم، وهذا موجود في أصول الكافي وبحار الأنوار للمجلسي.
وأنتم تعلمون أن الرافضة من أضل الطوائف عن سواء السبيل.
الطائفة الثالثة: القدرية الأوائل فهم ينكرون علم الله عز وجل بأفعال العباد، ويقولون: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العباد قبل أن يفعلوها، فإذا فعلوها علمها، أما قبل أن يفعلوها فهو لا يعلمها، ولا يدري ماذا سيعملون.
ومن هؤلاء: معبد الجهني، فقد جاء في قصة حديث جبريل الطويل: أن يحيى بن يعمر انطلق هو وحميد بن عبد الرحمن حاجين إلى مكة فقالا: لعلنا نلقى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنسأله عن هؤلاء -يعني: عن القدرية الذين ظهروا في البصرة- فلقوا عبد الله بن عمر فاكتنفاه، فسأل يحيى بن يعمر وقال: إنه ظهر عندنا قوم ينتسبون إلى العلم، ويقولون إن الأمر أنف -يعني: أفعال العباد التي يترتب عليها الثواب والعقاب مستأنفة لا يعلمها الله عز وجل- فغضب عبد الله بن عمر وقال: أخبروا من لقيتموه بأنني منهم بريء وأنهم مني برآء حتى يؤمنوا بالقدر، فإن أحدهم لو أنفق مثل أحد ذهباً لا يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم ذكر لهم حديث جبريل عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة.
وهذا يدل على تكفير ابن عمر رضي الله عنه لهؤلاء القدرية الغلاة، وهكذا كفرهم الأئمة كـ الشافعي وأحمد وغيرهم من العلماء.
وهذه الطائفة انقرضت كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري؛ فإنه عند شرحه لحديث جبريل عندما ذكر القدر، وذكر الطائفة التي أنكرت علم الله عز وجل، نص على أنها انقرضت وانتهت قبل زمن الحافظ رحمه الله تعالى، ولم يبق من القدرية إلا المعتزلة الذين سيأتي الحديث عنهم عند حديثنا عن القدر.
الطائفة الرابعة: المعتزلة: فإن المعتزلة لا يثبتون صفة العلم، بل يقولون: إن الله عالم، فإذا قيل لهم: عالم بعلم؟ قالوا: لا عالم بلا علم، أو يقولون: عالم بعلم هو ذاته.
وهذا هو أصلهم في نفي صفات الله عز وجل جميعاً، وإثباتهم لأسماء الله عز وجل على أنها أعلاماً محضة لا صفات فيها.
الطائفة الخامسة والسادسة: الأشاعرة والماتريدية، مع أن هذه الصفة في الظاهر مما يثبتها الأشاعرة، فهم يدندنون على أنهم يثبتون سبع صفات يسمونها صفات المعاني، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر.
وعند التحقيق فهم لا يثبتون إلا أسماء هذه الصفات، وأما حقائقها ومفهومه