والوصف بالوسطية ليس معناه: أن الإنسان ينظر في طرائق الناس ومناهجهم ثم يتخذ وسطاً من عنده، ويقول: هذا هو الوسط، أي: في النصف.
فلا يأتي إلى الوسط بين هذا المنهج وبين هذا المنهج، ويقول: هذا أحسن شيء فأتبعه.
وإنما المقصود بالوسطية هنا: إخبار الله عز وجل بأن هذه الأمة لما اتبعت الصراط المستقيم -وهو كلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم- صارت أمةً وسطاً بذلك.
فالوسطية في اتباع النصوص وليست في النظر إلى مذاهب الناس واختيار مكان معين منها بالهوى، وبعض الناس مثلاً يقول: لا بد أن تكون وسطاً مع الكفار، فلا تصير متشدداً مثل الذين يريدون جهاد الكفار، ولا تصير متساهلاً مثل الذين يوالون أعداء الله، وإنما كن وسطاً، يعني: لا تجاهدهم ولا توالهم، وإنما تبقى بينك وبينهم علاقات ومودة طيبة، وهذا الاختيار باطل، لأنه ليس وسطاً، وإنما هو انحراف، فليست الوسطية اختيار الإنسان للمكان الذي يريد بين الأهواء والآراء، وإنما هي اتباع ما أمر به الله سبحانه وتعالى وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمعنى الآية:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣]، يعني: أنكم لما اتبعتم الطريق المستقيم واتبعتم الوحي الرباني صرتم وسطاً، واتباع الوحي يجعل الإنسان وسطاً، فإذا انحرف عنه فلا يكون وسطاً، وإنما يكون إما في طرف الإفراط، أو في طرف التفريط.