[الطوائف المنكرة لصفة الكلام والرد عليها]
وهذه الصفة الجليلة مع وضوحها وأهميتها ومكانتها إلا أن طوائف من المبتدعة أنكرتها.
والعقل يثبت هذه الصفة، وقد استدل الله سبحانه وتعالى في القرآن بطرق عقلية على إثبات صفة الكلام، ومنها: أن الله عز وجل ذم وعاب آلهة المشركين بأنها لا تتكلم، فلو كان الله سبحانه لا يتكلم لما كان هناك معنى لعيب آلهة المشركين، فالله عز وجل يقول حاكياً عن إبراهيم: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:٤٢]، هذا في السمع والبصر، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى العجل الذي عبده بنو إسرائيل قال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف:١٤٨] (لا يكلمهم) يعني: لا يتكلم معهم، وهكذا آلهة المشركين نفى الله عز وجل عنها صفة الكلام، فدل ذلك على أن من نفيت عنه صفة الكلام فهو ناقص، وبالتالي: تدل على أن الله عز وجل موصوف بصفة الكمال وهي: صفة الكلام.
إذاً: فالكلام صفة كمال يتكلم سبحانه وتعالى متى شاء كيف شاء، ولكن مع وضوح هذه الصفة ومع أهميتها ومكانها وتعلقها بالقرآن إلا أنه وجد من أنكرها من أهل البدع، فظهرت الجهمية وقالت: إن الله عز وجل لا يتكلم، ولما سئلوا عن القرآن الذي هو كلام الله؟ قالوا: هذا مخلوق من مخلوقات الله وليس صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.
وبناءً على هذا قالوا: إن القرآن من مخلوقات الله عز وجل التي يخلقها وإنه مثل سائر المخلوقات، وإنه مثل البشر ومثل الشجر والحجر ونحو ذلك من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا جاءوا بفكرة أن القرآن مخلوق، ودُعي إليها في زمن المأمون، وأوذي بسببها الإمام أحمد وسجن وضرب وأوذي وصبر، ثم كانت النتيجة لأهل السنة ولله الحمد، فظهرت السنة.
وكان الناس في وقت الإمام أحمد على قولين: قول يقول: (إن القرآن كلام الله، وإن كلام الله صفة من صفاته، وإنه يتكلم متى شاء وكيف شاء وفي أي وقت شاء)، وهذا هو مذهب أهل السنة وهم عامة الأمة.
والقول الثاني: قول الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: إن الله لا يتكلم متى شاء وكيف شاء، وإن القرآن مخلوق، وإن كلام الله عز وجل ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته، يخلقه الله عز وجل في الهواء أو يخلقه في إنسان أو يخلقه في أي شيء من الأشياء، فهو ليس صفة وإنما هو مخلوق! وكانت الحرب كبيرة بين أهل السنة الذين يستدلون بالنصوص الشرعية وبين هؤلاء الجهمية الذين يخالفون النصوص الشرعية، والذين كفرهم السلف، وقالوا: من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وبين السلف الصالح رضوان الله عليهم سبب ذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، فلو كانت كلمات الله التامات من المخلوقات لكان هذا شركاً؛ لأنه كيف يستعيذ بالمخلوقات؟ فإنه قال: (أعوذ بكلمات الله)، فلو كانت كلمات الله مخلوقة كما يقول الجهمية والمعتزلة لكان معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بمخلوق، والاستعاذة بالمخلوق شرك أكبر، وفي هذا نسبة الشرك للرسول صلى الله عليه وسلم.
والمعتزلة يقولون: عندما جاء موسى وناداه الله عز وجل من الشجرة قالوا: إن الله عز وجل خلق الكلام في الشجرة، فمعنى هذا أن المتكلم هي الشجرة؛ لأن المتكلم هو الذي تقوم به صفة الكلام، ومعنى هذا: أن الشجرة هي التي تكلمت وهي التي قالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:٣٠] ولا شك أن هذا باطل واضح البطلان، فكيف تقول الشجرة: (يا موسى إني أنا الله رب العالمين) وكيف يأتي سياق الآية على أن موسى صدق، وعلى أن موسى أقر واعترف، وأنه تلقى النبوة من هذا الكلام، وأن الشجرة هي التي تكلمت وأعطت موسى النبوة؟! لا شك أن هذا في غاية البطلان، ولهذا كفر السلف رضوان الله عليهم من قال: إن القرآن مخلوق.
لكن ظهرت طائفة ثالثة، وزعمت أن كلام الله عز وجل معنى، وأنه ليس حروفاً وأصواتاً؛ لأن المعتزلة قالوا: حقيقة الكلام في لغة العرب: هو الحروف والأصوات، هذا هو الكلام في لغة العرب، وبناءً على هذا فإن الله عز وجل إذا تكلم تكلم بحرف وصوت، ومعنى هذا: أنه قامت في الله عز وجل هذه الصفة، فإذا كان يتكلم سبحانه وتعالى فإنه يحدث فيه الكلام، وهذا يدل على أن الإله مخلوق، كما أنه يدل على بطلان دليلهم الذي استدلوا به على إثبات وجود الله عز وجل، وهو دليل حدوث الأجسام الذي بنوه على أن المخلوق حادث والخالق قديم، ومن هنا قالوا: إن الكلام ليس صفة من صفات الله، وإن القرآن مخلوق.
فجاء الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب وقالوا: إن الكلام هو المعنى، وإن الحروف والأصوات هي تعبير عن الكلام، وقد تسمى كلاماً مجازاً، ثم قالوا: إن كلام الله عز وجل معنى قائم بذات الله عز وجل ليس بحرف ولا صوت، وإن الحروف والأصوات مخلوقة، وكلام الله عز وجل هو معنى قائم بذ