إلى مقامه العالي، فذكر لي أنه قد رجح قيامي مقام القاضي المذكور، فاعتذرت له بما كنت فيه من الاشتغال بالعلم، فقال: القيام بالأمرين ممكن.
وليس المراد إلا القيام بفصل ما يصل من الخصومات إلى ديوانه العالي في يومي اجتماع الحكام فيه، فقلت: سيقع مني الاستخارة لله والاستشارة لأهل الفضل، وما اختاره الله ففيه الخير، فلما فارقته ما زلت مترددًا نحو أسبوع، ولكنه وفد إلي غالب من ينتسب إلى العلم في مدينة صنعاء وأجمعوا على أن الإجابة واجبة، وأنهم يخشون أن يدخل في هذا المنصب الذي إليه مرجع الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية من لا يوثق بدينه وعلمه ... فقبلت مستعينًا بالله ومتكلًا عليه.. وأسأل الله بحوله وطوله أن يرشدني إلى مراضيه، ويحول بيني وبين معاصيه، وييسر لي الخير حيث كان، ويدفع عني الشر، ويقيمني في مقام العدل، ويختار لي ما فيه الخير في الدين والدنيا" اهـ.
قلت: وربما أن الشوكاني رأى في منصب القضاء فرصة لنشر السنة وإماتة البدعة، والدعوة إلى طريق السلف الصالح..
كما أن منصب القضاء سيصد عنه كثيرًا من التيارات المعادية له، ويسمح لأتباعه بنشر آرائه السديدة، وطريقته المستقيمة.
"والأئمة الثلاثة الذين تولى الشوكاني القضاء الأكبر لهم ولم يعزل حتى واتته المنية هم:
١- المنصور علي بن المهدي عباس، ولد سنة "١١٥١هـ" وتوفي سنة "١٢٢٤هـ" ومدة خلافته ٢٥ سنة.
٢- ابنه المتوكل علي بن أحمد بن المنصور علي، ولد سنة ١١٧٠هـ وتوفي سنة "١٢٣١هـ" ومدة خلافته نحو "٧" سنوات.
٣- المهدي عبد الله، ولد سنة "١٢٠٨هـ" وتوفي سنة "١٢٥١هـ" ومدة خلافته "٢٠" سنة١.
قلت: كان تولي الشوكاني القضاء كسبًا كبيرًا للحق والعدل، فقد أقام سوق العدالة بينا وأنصف المظلوم من الظالم، وأبعد الرشوة، وخفف من غلواء التعصب، ودعى الناس إلى اتباع القرآن والسنة، إلا أن هذا التعصب قد منعه من التحقيق العلمي يظهر ذلك إذا ما تتبع المرء مؤلفاته قبل توليه القضاء وبعده، يجد الفرق واضحًا.