للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرق بين قليل وكثير١، وما فوق القلتين وما دونهما٢، ومستعمل وغير مستعمل٣.


١ قال الإمام البغوي في شرح السنة "٢/ ٥٩-٦٠: "وقدر بعض أصحاب الرأي الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع، وهذا تحديد لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه".
قلتُ: أما الحديث الذي أخرجه ابن ماجه "٢/ ٨٣١ رقم ٢٤٨٦"، والدارمي "٢/ ٢٧٣" عن عبد الله ابن مغفل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا لماشيته"، وهو حديث حسن، "انظر الصحيحة" للألباني رقم: ٢٥١"، فلا دليل فيه على تحديد الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع؛ لأن الواضح من الحديث أن حريم البئر من كل جانب أربعون ذراعًا. انظر: "فتح العناية بشرح كتاب النقاية" للمحدث على القاري تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة "١/ ١٠٩" اهـ.
ثم قال الإمام البغوي: "وحدَّه بعضُهم بأن يكون في غدير عظيم بحيث لو حرك منه جانب، لم يضطرب منه الجانب الآخر، وهذا في غاية الجهالة لاختلاف أحوال المحركين في القوة والضعف" اهـ. وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار "١/ ٣٠": وللناس في تقدير القليل والكثير أقوال ليس عليها أثارة من علم" اهـ.
٢ قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" وهو بذيل السنن الكبرى للبيهقي "١/ ٢٦٥": "قد اختلف في تفسير القلتين اختلافًا شديدًا. ففسرنا بخمس قرب، وبأربع، وبأربع وستين رطلًا وباثنتين وثلاثين، وبالجرتين مطلقًا، وبالجرتين بقيد الكبر، وبالخابيتين، والخابية الجب فظهر بهذا جهالة مقدار القلتين فتعذر العمل بها" اهـ.
قلت: أما حديث ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" فهو حديث ضعيف بهذه الزيادة: "من قلال هجر". أخرجه ابن عدي في الكامل "٦/ ٢٣٥٨" في ترجمة "المغيرة بن سقلاب". وقال عنه: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن حجر في التلخيص "١/ ٢٩" عن المغيرة هذا: منكر الحديث ثم قال: "١/ ٣٠" والحديث غير صحيح؛ يعني: بهذه الزيادة.
٣ الماء المستعمل هو الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ أو المغتسل.
والدليل على أن الماء المستعمل طاهر في نفسه. ما أخرجه البخاري "١/ ٣٠١- مع الفتح، ومسلم "٣/ ١٢٣٤ رقم ١٦١٦" وغيرهما، عن جابر بن عبد الله قال: "جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني وأنا مريض لا أعْفِك فتوضأ وصب وضوءه علي".
وأما الدليل على أن الماء المستعمل مطهر لغيره، ما أخرجه أبو داود "١/ ٩١ رقم ١٣٠" عن ابن عقيل عن الربيع بنت معوذ "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماء كان في يده" وهو حديث حسن فهذا يدل على أن الماء المستعمل طاهر مطهر، فلو كان غير مطهر لما استعمله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فرض الوضوء وهو مسح الرأس.
ولحديث أبي جحيفة قال: "خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهاجرة، فأتى بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به.." أخرجه البخاري رقم "١٨٧".

<<  <   >  >>