الْفَقِيه ابْن سَلامَة مدرسها وتحدث مَعَه مَا شَاءَ وشوهد من كل لَيْلَة أبش وأبسم وأهش وَقد طابت المحاضرة وطالت المسامرة
فانفصل إِلَى منزله صَحِيح الْبدن فصيح اللسن وَقَالَ لغلامه رتب حوائج الْحمام وعرفني حِين أَقْْضِي منى الْمَنَام فوافاه سحرًا للإعلام فَمَا اكترث بِصَوْت الْغُلَام وَلم يدر أَن كلم الْحمام حمى من الْكَلَام وَأَن وثوقه بِطَهَارَتِهِ من الْكَوْثَر أغناه عَن الْحمام
فبادر إِلَيْهِ وَلَده فألفاه وَهُوَ سَاكِت باهت فَعرف أَن الْقدر لَهُ باغت فَلبث يَوْمه لَا يسمع لَهُ إِلَّا أَنِين خَفِي علم مِنْهُ أَنه بِعَهْد الله وَفِي
ثمَّ قضى سعيدا وَمضى شَهِيدا حميدا فوقاه الله تَعَالَى الْوَصِيَّة فَكَانَت لَهُ بِسَيِّد الْأَوَّلين والآخرين أُسْوَة وَإِن يعرى عَن رِدَاء الْعُمر فَلهُ من حلل الْبَقَاء فِي عليين كسْوَة ولانه لم يبْق فِي مُدَّة حَيَاته عملا صَالحا إِلَّا وَقدمه وَلَا عهدا فِي الْجنَّة إِلَّا أحكمه وَلَا عقدا فِي الْبر إِلَّا أبرمه فَإِن صنائعه فِي الرّقاب وأوقافه على سَبِيل الْخيرَات متجاوزة عَن الْحساب لَا سِيمَا أوقافه لفكاك أُسَارَى الْمُسلمين إِلَى يَوْم الْحساب
وأعان طلبة الْعلم الشَّافِعِيَّة والمالكية عِنْد دَاره بِالْمَدْرَسَةِ والأيتام بِالْكتاب والخيرات الدارة على الْأَيَّام فَكَانَت حَيَاة لَهُ ثَانِيَة إِلَى يَوْم الْبَعْث وإعادة حَيَاة الْأَنَام
وَكَانَ رَحمَه الله للحقوق قَاضِيا وَفِي الْحَقَائِق مَاضِيا سُلْطَانه مُطَاع وَالسُّلْطَان لَهُ مُطِيع وفضله جَامع وَشَمل الْفضل بِهِ جَمِيع وَهُوَ وَاحِد الزَّمَان وَصَاحب الْقُرْآن قد خصّه الله بالمكانة ولامكان وَالسُّلْطَان رَحمَه الله من مفتتحات فتوحه ومختتماتها ومبادي أُمُور دولته وغاياتها مَا افْتتح الأقاليم إِلَّا بأقاليد آرابه وآرائه ومقاليد غناهُ وغنائه
وَكنت من حَسَنَاته محسوبا وَإِلَى مُنَاسِب آلائه مَنْسُوبا أعرف صناعته وَيعرف صناعتي وأعارض بضاعته الثمينة بمزجاة بضاعتي وَلم يزل يجذب بضبعي ويجلب نفعي وَمَا أوسع ذرعه للخطاب فِي شغلي إِذا ضَاقَ بالخطب الشاغل ذرعي
وَكَانَت كِتَابَته النَّصْر ويراعته رائعه الدَّهْر وبراعته بَارِية للبر وَعبارَته فِي عقد السحر وَكَانَت بلاغته للدولة مجملة وللمملكة مكملة وللعصر الصلاحي على سَائِر الْأَعْصَار مفضلة ومفتتحاته فِي الفتوحات البديعة بديعة ومخترعاته فِي الصَّنَائِع المخترعة صَنِيعَة وَإِنَّمَا نسجت على منواله ومزجت من جرياله وَرويت بزلاله
وَهُوَ الَّذِي نسخ أساليب القدماء بِمَا أقدمه من الأساليب وأغربه من الابداع وأبدعه من الْغَرِيب وَمَا ألفيته كرر ذكره فِي مُكَاتبَة وَلَا ردد لفظا فِي مُخَاطبَة بل تَأتي فصوله مبتكرة مبتدهة مبتدهة لَا مفتكرة بِالْعرْفِ والعرفان معرفَة لَا نكرَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute