للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي ذكر بعض سيرة الشَّهِيد أتابك زنكي

وَكَانَت من أحسن سير الْمُلُوك وأكثرها حزما وضبطا للأمور وَكَانَت رَعيته فِي أَمن شَامِل يعجز القوى عَن التَّعَدِّي على الضَّعِيف

قَالَ أبن الْأَثِير حَدثنِي وَالِدي قَالَ قدم الشَّهِيد أتابك زنكي إِلَيْنَا بِجَزِيرَة ابْن عمر فِي بعض السنين وَكَانَ زمن الشتَاء فَنزل بالقلعة وَنزل الْعَسْكَر فِي الْخيام

وَكَانَ فِي جملَة أمرائه الْأَمِير عز الدّين أَبُو بكر الدبيسي وَهُوَ من أكَابِر أمرائه وَمن ذَوي الرَّأْي عِنْده فَدخل الدبيسي الْبَلَد وَنزل بدار إِنْسَان يَهُودِيّ وَأخرجه مِنْهَا فاستغاث الْيَهُودِيّ إِلَى الشَّهِيد وَهُوَ رَاكب فَسَأَلَ عَن حَاله فَأخْبر بِهِ وَكَانَ الشَّهِيد وَاقِفًا والدبيسي إِلَى جَانِبه لَيْسَ فَوْقه أحد فَلَمَّا سمع أتابك الْخَبَر نظر إِلَى الدبيسي نظر مغضب وَلم يكلمهُ كلمة وَاحِدَة فَتَأَخر الْقَهْقَرَى وَدخل الْبَلَد فَأخْرج خيامه وَأمر بنصبها وَلم تكن الأَرْض تحْتَمل وضع الْخيام عَلَيْهَا لِكَثْرَة الوحل والطين

قَالَ فَلَقَد رَأَيْت الفراشين وَهُوَ ينقلون الطين لينصبوا خيمته فَلَمَّا رَأَوْا كثرته جعلُوا على الأَرْض تبنا ليقيموها ونصبوا الْخيام وَخرج إِلَيْهَا من سَاعَته

قَالَ وَكَانَ ينْهَى أَصْحَابه عَن اقتناء الْأَمْلَاك وَيَقُول مهما كَانَت الْبِلَاد لنا فَأَي حَاجَة لكم إِلَى الْأَمْلَاك فَإِن الاقطاعات تغني عَنْهَا وَإِن خرجت الْبِلَاد عَن أَيْدِينَا فَإِن الْأَمْلَاك تذْهب مَعهَا وَمَتى صَارَت الْأَمْلَاك لأَصْحَاب السُّلْطَان ظلمُوا الرّعية وتعدوا عَلَيْهِم وغصبوهم أملاكهم

ثمَّ ذكر مَا تجدّد فِي أَيَّامه من عمَارَة الْبِلَاد لَا سِيمَا بالموصل وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>