وَكَانَ هَذَا اللعين من أبطال الفرنج الْمَشْهُورين بالفروسية وَشدَّة الْبَأْس وَقُوَّة الْحِيَل وَعظم الْخلقَة مَعَ اشتهار الهيبة وَكَثْرَة السطوة والتناهي فِي الشَّرّ وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر
ثمَّ نزل نور الدّين فِي الْعَسْكَر على بَاب أنطاكية وَقد خلت من حماتها والذابين عَنْهَا وَلم يبْق فِيهَا غير أَهلهَا مَعَ كَثْرَة أعدادهم وحصانة بلدهم
وترددت المرسلات بَينه وَبينهمْ فِي طلب التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَإِيمَانهمْ وصيانة أَمْوَالهم فَوَقع الِاحْتِجَاج مِنْهُم بِأَن هَذَا أَمر لَا يُمكنهُم الدُّخُول فِيهِ إِلَّا بعد انْقِطَاع آمالهم من النَّاصِر لَهُم والمعين على من يقصدهم
وحملوا مَا أمكنهم من التحف وَالْمَال واستمهلوا فأمهلوا
ثمَّ رتب نور الدّين بعض الْعَسْكَر للإقامة عَلَيْهَا وَالْمَنْع لمن يصل إِلَيْهَا ونهض فِي بَاقِيَة الْعَسْكَر إِلَى نَاحيَة أفامية وَقد كَانَ رتب الْأَمِير صَلَاح الدّين فِي فريق وافر من الْعَسْكَر لمنازلتها ومضايقتها فالتمسوا الْأمان فأومنوا على أنفسهم وسلموا الْبَلَد فِي ثامن عشر ربيع الأول وانكفأ نور الدّين فِي عسكره إِلَى نَاحيَة أنطاكية وَقد انْتهى إِلَيْهِ الْخَبَر بنهوض الفرنج من نَاحيَة السَّاحِل إِلَى صوب أنطاكية لإنجاد من بهَا فاقتضت الْحَال مهادنة من فِي أنطاكية وموادعتهم وَتَقْرِير أَن يكون مَا قرب من الْأَعْمَال الحلبية لَهُ وَمَا قرب من أنطاكية لَهُم ورحل عَنْهُم إِلَى جِهَة غَيرهم بِحَيْثُ كَانَ قد ملك فِي هَذِه النّوبَة مِمَّا حول أنطاكية من الْحُصُون والقلاع والمعاقل وَغَيرهَا الْمَغَانِم الجمة