وَكَانَ الفرنج قد جعلُوا لَهُم شحنة بِمصْر والقاهرة وَسكن فرسانهم أَبْوَاب البلدين والمفاتيح مَعَهم على مَا سبق ذكره وتحكموا تحكما كثيرا فطمعوا فِي الْبِلَاد وَأَرْسلُوا إِلَى ملكهم مُرَّى وَلم يكن ملك الفرنج مذ خَرجُوا إِلَى الشَّام مثله شجاعة ومكراً ودهاءً يستدعونه ليملك الْبِلَاد وأعلموه خلوها من ممانع عَنْهَا وسهلوا أمرهَا عَلَيْهِ فَلم يجبهم إِلَى الْمسير وَاجْتمعَ فرسَان الفرنج وذوو الرَّأْي والتقدم وأشاروا عَلَيْهِ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا والاستيلاء عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُم الرَّأْي عِنْدِي أَلا نقصدها فَإِنَّهَا طعمة لنا وأموالها تساق إِلَيْنَا نتقوى بهَا على نور الدّين وَإِن نَحن قصدناها لنملكها فَإِن صَاحبهَا وعساكره وَعَامة أهل بِلَاده وفلاحيه لَا يسلمونها إِلَيْنَا ويقاتلوننا دونهَا ويحملهم الْخَوْف منا على تَسْلِيمهَا إِلَى نور الدّين وَإِن أَخذهَا وَصَارَ لَهُ فِيهَا مثل أَسد الدّين فَهُوَ هَلَاك الفرنج وإجلاؤهم من أَرض الشَّام فَلم يصغوا إِلَى قَوْله وَقَالُوا إِن مصر لاحافظ لَهَا وَلَا مَانع وَإِلَى أَن يصل الْخَبَر إِلَى نور الدّين ويجهز العساكر ويسيرهم إِلَيْنَا نَكُون نَحن قد ملكناها وفرغنا من أمرهَا وَحِينَئِذٍ يتَمَنَّى نور الدّين منا السَّلامَة فَلَا يقدر عَلَيْهَا وَكَانُوا قد عرفُوا الْبِلَاد وانكشف لَهُم أمرهَا فأجابهم إِلَى ذَلِك على كره شَدِيد وتجهزوا وأظهروا أَنهم على قصد الشَّام وخاصة مَدِينَة حمص وتوجهوا من عسقلان فِي النّصْف من الْمحرم ووصلوا أول يَوْم من صفر إِلَى بلبيس ونازلوها وحصروها فملكوها قهرا ونهبوها وَسبوا أَهلهَا وَأَقَامُوا بهَا خَمْسَة أَيَّام ثمَّ أناخوا على الْقَاهِرَة وحصروها عَاشر صفر فخاف النَّاس مِنْهُم أَن يَفْعَلُوا بهم مثل فعلهم بِأَهْل بلبيس فحملهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute